بؤر الصراع والتغيرات العالمية – الحرب الأوروبية الروسية؟

هناك قاعدة أساسية تقول إن ما يحدث الآن هو نتيجة لما حدث من قبل، وبالتالي، ما يحدث الآن يجعلنا نتنبأ بما سيحدث في المستقبل. من خلال هذه القاعدة، يمكننا تحليل الأوضاع السياسية واستشراف المستقبل.

لكن علينا دائمًا أن نضع في اعتبارنا ثلاثة أمور مهمة قد تؤثر على هذه التوقعات:

  1. الأحداث المفاجئة أو “الطفرات”: وهي أحداث كبيرة تؤثر مباشرة على الواقع الجاري، فتسرّع وتيرته أو تغيّر مساره. مثال ذلك ما حدث في 7 أكتوبر أو 11 سبتمبر.
  2. الأحداث الخفية: وهي التطورات التي لا تصل إلى وسائل الإعلام لكنها تلعب دورًا كبيرًا في توجيه مجريات الأحداث.
  3. العوامل غير المحسوبة: مثل الكوارث الطبيعية أو النتائج غير المتوقعة، والتي قد تغيّر مسار الأحداث بشكل جذري أو تسرّع وقوعها أو حتى تقلبها رأسًا على عقب.

بهذه الطريقة، أحلل ما يحدث سياسيًا وأتوقع ما قد يحدث لاحقًا. وما أقوله ليس بالضرورة صحيحًا بنسبة 100%، ولكن عند مراجعة توقعاتي السابقة، ستجدون أن نسبة كبيرة منها قد تحققت بالفعل.

على سبيل المثال، عندما قلت سابقًا إنه لا يمكن أن تحدث حرب عالمية ثالثة، كنت أعني أن العالم لا يمكنه تحمل حرب كهذه، لا في الحاضر ولا في المستقبل. كما أكدت استبعاد نشوب حرب إقليمية كبرى في أي منطقة بالعالم، بل ذهبت أبعد من ذلك وقلت إن كل الأسباب التي تؤدي إلى نشوب الحروب ستتم معالجتها، ولن تبقى هناك فرصة لنشوب أي حرب، وإن وُجدت دوافع للحرب، فسيتم احتواؤها سريعًا.

واليوم، بدأت تتضح معالم هذا الاتجاه، حيث إن الحروب العسكرية ستنتهي تمامًا خلال السنوات القادمة. ما أعنيه هنا هو الحروب العسكرية التقليدية، بينما ستستمر الحروب السياسية، الاقتصادية، الفكرية، والتكنولوجية، وغيرها من أشكال الصراعات غير العسكرية.

أهم بؤر الصراع العالمية

من بين أبرز بؤر الصراع الحالية التي ينبغي حسمها قبل نهاية هذا العام أو مطلع العام القادم، هناك ثلاث مناطق رئيسية: أفريقيا، أوروبا، وآسيا.

في أوروبا، توجد بؤرة واحدة رئيسية، وسنركز في هذا المقال على البؤرة الأوروبية فقط، على أن نتناول البؤر الأخرى في مقالات لاحقة. التركيز على هذه البؤرة يرجع إلى أنها قريبة من الحل، حيث يجري العمل على إنهائها منذ أكثر من شهر بهدف وضع حدٍّ لهذه الحرب، ومعالجة جذورها حتى لا تتكرر مستقبلاً.

الصراع الأوروبي – الروسي: أبعاد تاريخية وجيوسياسية

كما تعلمون، فإن التهديد العسكري المنظم الوحيد لأوروبا هو روسيا، لأسباب واضحة ومعروفة. فرغم أن معظم الأراضي الروسية تقع في آسيا، إلا أن روسيا متلاصقة جغرافيًا مع أوروبا، وطموحاتها تجاه القارة ليست جديدة، تمامًا كما أن الطموحات الأوروبية تجاه روسيا ليست وليدة اليوم.

هذا الصراع التاريخي يشبه إلى حدٍّ بعيد الصراع بين اليهود والعرب، حيث يرى كل طرف أن له حقًا تاريخيًا في التفوق على الآخر.

الخلفية التاريخية للصراع الأوروبي – الروسي

يعود الصراع بين أوروبا وروسيا إلى قرون مضت. فالشعوب التي تُعرف بـالسلاف الشرقيين، والتي تضم القوقازيين، الأوراليين، التركمان، وغيرهم، كانت تسعى دائمًا إلى فرض سيطرتها على الشعوب الأوروبية ذات الأصول الآرية. وفي المقابل، كانت الشعوب الآرية الأوروبية تطمح للهيمنة على السلاف.

لو نجحت هاتان الكتلتان في إنهاء صراعهما وتوحيد قواهما، فإنهما ستشكلان أعظم قوة عالمية لا يمكن لأي طرف آخر مواجهتها أو التغلب عليها.

الهجرة السلافية وأثرها على أوروبا

قبل قيام الإمبراطورية القيصرية الروسية، شهدت أوروبا هجرة سلافية ضخمة نحو شرق القارة، نتيجة عوامل مناخية واقتصادية وديموغرافية. هذه الهجرة غيّرت التركيبة العرقية في أوروبا، وأصبح للسلاف حضور قوي في شرق القارة.

نجاح السلاف في التمركز بشرق أوروبا يعود إلى عاملين رئيسيين:

  1. الكثافة السكانية الكبيرة التي ساعدتهم في فرض وجودهم.
  2. الضعف الأوروبي في ذلك الوقت، سواء من الناحية الديموغرافية أو الاقتصادية، مما سمح للسلاف بالاستقرار والتمدد.

كان للسلاف دور استراتيجي مهم كحائط صدّ ضد الخطر الفارسي والإسلامي القادم من الشرق، وهو ما اعتبره الأوروبيون تهديدًا أشدّ خطورة من السلاف أنفسهم، نظرًا للفروقات الكبيرة بينهم وبين الفرس والمسلمين على المستوى الثقافي والديني.

لكن مع قيام الإمبراطورية القيصرية، أصبحت روسيا قوة عظمى ذات نفوذ متزايد في شرق أوروبا، مما دفع الأوروبيين إلى البحث عن بدائل جغرافية للتوسع، فبدأت الهجرات الكبرى إلى الأمريكتين وأستراليا.

التحولات الكبرى: من العثمانيين إلى السوفييت

بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية، تحوّل الخطر الأساسي على أوروبا إلى روسيا السوفيتية، التي أصبحت القوة الأكثر تهديدًا للقارة. هذا الوضع تغيّر مجددًا مع ظهور ألمانيا النازية بقيادة هتلر، حيث أصبحت ألمانيا العدو الأول لأوروبا وروسيا على حد سواء.

عندما شنّ هتلر الحرب على الاتحاد السوفيتي، وجد العالم نفسه أمام تحالف غير متوقع بين أوروبا وروسيا ضد النازية. هذا التحالف لم يكن سوى هدنة مؤقتة، إذ عاد التوتر بين الغرب وروسيا فور انتهاء الحرب العالمية الثانية، ليدخل العالم في مرحلة جديدة من الصراع خلال الحرب الباردة.

المشهد الحالي ومستقبل الصراع

اليوم، لا تزال روسيا تمثل التهديد العسكري الأكبر لأوروبا. ومع ذلك، فإن اتجاه العالم يسير نحو إنهاء الحروب العسكرية والانتقال إلى حروب جديدة ذات طابع سياسي، اقتصادي، وتكنولوجي.

العمل جارٍ حاليًا على إنهاء الحرب في أوروبا، وهو ما سيتم قريبًا وفق التحركات السياسية والعسكرية الجارية. الهدف ليس فقط إيقاف الحرب، بل معالجة جذورها لضمان عدم تكرارها في المستقبل.

في الفيديوهات القادمة، سنتناول بؤر الصراع الأخرى في أفريقيا وآسيا، ونناقش كيفية تعامل القوى الدولية مع هذه التحديات.

انتهت الحرب العالمية الثانية بسقوط ألمانيا النازية، وتم توقيع اتفاق بين الأوروبيين والأمريكيين والروس، نصّ هذا الاتفاق على أن تصبح أوروبا الشرقية، بما فيها جزء من ألمانيا الشرقية، تابعة للاتحاد السوفيتي، بينما يبقى غرب أوروبا والجزء الأكبر من ألمانيا تحت نفوذ أوروبا الغربية وأمريكا. وهكذا انطلقت مرحلة ما يُسمى بالحرب الباردة، التي استمرت حتى سقوط الاتحاد السوفيتي.

مع انهيار الاتحاد السوفيتي، خسرت روسيا العديد من المناطق الجغرافية في آسيا وأوروبا، وأصبحت هذه المناطق دولًا مستقلة. بعض هذه الدول ظلت موالية لروسيا الجديدة، خاصةً تلك الواقعة في آسيا، بينما فضّلت دول أخرى التقرب من أوروبا وانضمت لاحقًا إلى الاتحاد الأوروبي. أما الدول الواقعة على الحدود الروسية الأوروبية، فقد بقيت في حالة انقسام داخلي، حيث فضّل جزء من شعوبها الولاء لروسيا، في حين سعى آخرون للابتعاد عن النفوذ الروسي والتقرب أكثر من الغرب الأوروبي.

سقوط الاتحاد السوفيتي لم يكن صدفةً؛ فقد دارت الحرب الباردة بين الغرب وروسيا على مختلف الجبهات: الاستخباراتية، والاقتصادية، والتكنولوجية، والعسكرية غير المباشرة. ومن أبرز تلك الجبهات أفغانستان ودول القوقاز، إضافة إلى إيران التي كانت حليفًا قويًا للغرب قبل أن تسقط في أيدي الإسلاميين، وكذلك تركيا التي بقيت مرتبطةً بالغرب. لكن يبقى الفخ الأفغاني هو العامل الرئيسي والأسرع في انهيار الاتحاد السوفيتي، حيث تضافرت معه عوامل أخرى مثل التخلف الاقتصادي والتأخر التكنولوجي، مما أدى إلى الانهيار النهائي للاتحاد.

سقط الاتحاد السوفيتي رسميًا في 26 ديسمبر 1991، بعد إعلان ميخائيل غورباتشوف استقالته في 25 ديسمبر 1991. إلا أن الانهيار الفعلي بدأ أواخر الثمانينيات مع الإصلاحات التي قادها غورباتشوف، مثل البيريسترويكا (إعادة الهيكلة) والغلاسنوست (الشفافية)، بالإضافة إلى تصاعد الحركات الاستقلالية في الجمهوريات السوفيتية.

الحدث الأساسي الذي أعلن النهاية الفعلية للاتحاد السوفيتي كان توقيع اتفاقية بيلافيجسكايا (Belavezha Accords) في 8 ديسمبر 1991، حيث تم الإعلان عن تفكك الاتحاد وإنشاء رابطة الدول المستقلة (CIS).

كان هدف روسيا من حلّ الاتحاد السوفيتي هو الخروج من الأزمة الاقتصادية والعسكرية التي كانت تعاني منها، وإنقاذ ما تبقى من الإمبراطورية الروسية بعد فشل النظام الشيوعي وتفوق الغرب اقتصاديًا، وعسكريًا، وتكنولوجيًا. كما كانت تأمل، من خلال السماح باستقلال الجمهوريات في آسيا وشرق أوروبا، في إثبات حسن نواياها تجاه الغرب عبر تبنّي الديمقراطية والنظام الاقتصادي والسياسي الغربي.

أبرز الشخصيات التي قادت تلك المرحلة:

  • ميخائيل غورباتشوف (1985-1991): آخر زعيم سوفيتي، تولى منصب الأمين العام للحزب الشيوعي عام 1985، ثم أصبح رئيسًا للاتحاد السوفيتي عام 1990 حتى استقالته في 25 ديسمبر 1991.
  • بوريس يلتسن (1991-1999): أول رئيس لروسيا الاتحادية بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، تولى السلطة حتى استقالته في 31 ديسمبر 1999، ليخلفه فلاديمير بوتين بالوكالة.
  • فلاديمير بوتين (1999-2008): تولى الرئاسة رسميًا عام 2000، ثم ترك المنصب لـديمتري ميدفيديف (2008-2012) قبل أن يعود إلى الحكم عام 2012 وما زال رئيسًا حتى اليوم.

ميخائيل غورباتشوف كان مواليًا للغرب بالكامل، وكان مستعدًا لتقديم تنازلات كبرى لكسب رضا الغرب عن روسيا. وكما ذكرنا، قدم استقالته، ليأتي بعده بوريس يلتسن، الذي استقال بدوره في 31 ديسمبر 1999 بعد أن تدهورت حالته الصحية وتراجعت شعبيته بشكل كبير. فقد شهدت روسيا في عهده مشاكل كبرى، أبرزها الفساد والخصخصة العشوائية، التي أدت إلى انهيار الاقتصاد الروسي والأزمة المالية الضخمة عام 1998، مما أفقد الشعب الروسي ثقته به.

إلا أن استقالة يلتسن كانت أيضًا خطوة استراتيجية؛ فقد عيّن قبل ذلك فلاديمير بوتين رئيسًا للوزراء في أغسطس 1999، ثم استقال لصالحه في 31 ديسمبر 1999، مما مكّن بوتين من تولي السلطة مؤقتًا قبل أن يفوز رسميًا في الانتخابات الرئاسية عام 2000.

هذا التغير السياسي عكس رغبة داخلية قوية لدى مجموعة من السياسيين وأصحاب النفوذ في روسيا، الذين رفضوا أن تكون بلادهم مجرد تابع للغرب. فقد كانت النخبة الروسية ترى في نفسها قوة تاريخية عظمى يجب الحفاظ على استقلالها وكرامتها، وأن روسيا يجب أن تعود قوة عالمية وشريكًا متكافئًا للغرب، لا مجرد تابع ينفذ أوامره.

صعود فلاديمير بوتين وإعادة بناء روسيا

من هنا جاء فلاديمير بوتين، الذي كانت مهمته الأساسية هي إعادة هيبة روسيا وقوتها على الساحة الدولية.

بوتين لا يريد غزو أوروبا، وليس لديه طموحات توسعية فيها، لكنه يسعى إلى استعادة المكانة الدولية لروسيا وحماية أمنها ومصالحها الاستراتيجية. هدفه الأساسي أن تصبح روسيا شريكًا كاملاً للغرب، كما هو الحال مع كندا أو أستراليا، وليس مجرد دولة تابعة مثل اليابان وكوريا الجنوبية.

ولهذا، حذّر بوتين الغرب مرارًا من الاقتراب من دول أوروبا الشرقية المتاخمة لروسيا، خصوصًا فيما يتعلق بانضمام فنلندا، التي تمتلك حدودًا مباشرة مع روسيا، إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو). كما حذّر الغرب من التدخل في الشؤون الداخلية لروسيا أو الاقتراب من مجالها الحيوي.

ولكن رغم هذه التحذيرات المتكررة، واصل الغرب تجاهل روسيا، وعمل على إقصائها من المحافل الدولية والاتفاقات الاقتصادية والسياسية الكبرى، كما تم استبعادها من المشاركة في حلّ الأزمات في الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا. هذا الإقصاء المتعمّد زاد من غضب الروس، مما دفعهم إلى اتخاذ قرار استعادة نفوذهم من خلال التدخل المباشر في إفريقيا وآسيا، وبناء علاقات قوية مع الدول والجماعات التي تُعد عدوة أو منافسة للغرب.

إلى جانب ذلك، بدأ الغرب في ضمّ أوكرانيا إلى معسكره ومحاولة استقطابها، رغم أن نسبة كبيرة من الشعب الأوكراني تفضّل البقاء قريبة من روسيا بسبب التقارب العرقي والثقافي واللغوي بينهما. من هنا، طالب الأوكرانيون الموالون لروسيا موسكو بحمايتهم، مما أدى إلى ضم روسيا لشبه جزيرة القرم وثلاث محافظات أوكرانية أخرى طلبت الانضمام إليها.

لكن هذه الأحداث لم تثنِ الغرب عن مواقفه، بل استمر في تحديه لروسيا وتدخله في شؤونها، حيث قدّم دعمًا كاملاً لأوكرانيا سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا، مما وضع روسيا أمام خيار وحيد، وهو الهجوم المباشر على أوكرانيا. جاء ذلك بعد أن استنفدت موسكو كل الحلول الأخرى، فأرادت أن توجّه رسالة واضحة للغرب بأنه قد تجاوز جميع الخطوط الحمراء، وأن روسيا لن تقبل بالمزيد من الإقصاء أو التهديد.

الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، قدّم دعمًا غير محدود لأوكرانيا. ثم جرى انتخاب فولوديمير زيلينسكي رئيسًا لأوكرانيا في انتخابات اعتبرتها روسيا مزورة، بينما أنكر الغرب ذلك، معتبرًا أن زيلينسكي موالٍ بالكامل للغرب، ومكلف بمهمة واضحة: هزيمة روسيا. لأن انتصار الغرب في أوكرانيا يعني نهاية روسيا كقوة كبرى، تمامًا كما حدث مع الاتحاد السوفييتي سابقًا. لهذا، تُعتبر هذه الحرب من أخطر المواجهات التي يمكن أن تقع بين قوتين نوويتين، حيث يُخشى أن تتحول إلى حرب إقليمية أو حتى حرب عالمية ثالثة، وهو أمر لا يريده أيٌّ من الطرفين، ولا يمكن للعالم أن يقبل به.

في الحقيقة، تمتلك روسيا القدرة العسكرية الكاملة على احتلال أوكرانيا بالكامل خلال بضعة أيام، رغم الدعم الغربي غير المحدود لكييف، لكنها لم تفعل ذلك. والسبب أن هدفها ليس احتلال أوكرانيا بالكامل، بل إرسال رسالة واضحة للغرب بأن روسيا لا تسعى للغزو أو التوسع على حساب أوروبا، بل تريد فقط ضمان أمنها وسيادتها كقوة عالمية.

ورغم أن الحرب الروسية الأوكرانية يمكن القول إنها بدأت فعليًا عام 2014، إلا أنها أصبحت حربًا رسمية وشاملة في فبراير 2022، عندما اجتاحت القوات الروسية الأراضي الأوكرانية وأُعلنت الحرب رسميًا. ومنذ ذلك الوقت، تم تهجير ملايين الأوكرانيين نحو أوروبا، خاصة النساء والأطفال، بينما بقي أغلب الرجال يقاتلون الروس بأسلحة وأموال غربية غير محدودة. أما زيلينسكي، فهو مستعد لحرق أوكرانيا بالكامل من أجل إرضاء الغرب، إذ يُعدّ مواليًا بنسبة 1000% للغرب ومعاديًا بشدة لروسيا، وهو أمر واضح للعيان.

روسيا لا يمكن أن تقبل الخسارة أبدًا، مهما طالت الحرب واستمرت. وبعد هذه الحرب الطويلة المستنزفة، ومع وصول رئيس جديد إلى البيت الأبيض، قررت الولايات المتحدة إيقاف هذه الحرب وكل الحروب العالمية الأخرى، بدءًا بالحرب الروسية الأوكرانية، حيث طرحت واشنطن عدة خيارات تفاوضية على موسكو وكييف، لأنه لم يتبقَ أمامهما سوى هذه الحلول، إذ إن خيار مواصلة الحرب بات مرفوضًا كليًا من قبل الإدارة الأمريكية الجديدة.

رغم ذلك، فإن أوروبا تريد مواصلة الحرب لأنها لا تخسر شيئًا يُذكر؛ فحتى الدعم المالي والعسكري الذي تقدمه لأوكرانيا تسترجعه من ثروات البلاد، بينما يقاتل الشعب الأوكراني نيابةً عنها في محاولة لهزيمة روسيا وتحقيق نصر أوروبي. ولذلك، لا تريد أوروبا إيقاف الحرب إلا وفق شروطها، وأهمها:

  • انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي وربما إلى الناتو مستقبلًا.
  • انسحاب روسيا من جميع الأراضي الأوكرانية المحتلة، بما فيها دونباس وشبه جزيرة القرم.
  • ضمانات أمنية غربية طويلة الأجل لأوكرانيا.

لكن روسيا تعتبر هذه الشروط مستحيلة وترفضها بشكل قاطع، خصوصًا مسألة انضمام أوكرانيا إلى الناتو أو التخلي عن القرم. زيلينسكي يدعم هذا الحل كليًا، ولو كلّف ذلك تدمير أوكرانيا بالكامل، ولكن الإدارة الأمريكية الجديدة ترفضه لأنه يتعارض مع أي فرصة لتحقيق اتفاق مع روسيا، حيث تسعى واشنطن إلى إنهاء الحرب بسرعة، وليس إلى تصعيدها.

الحلول المطروحة لإنهاء الحرب الأوكرانية:

  1. الحل الأوروبي:

    • استمرار دعم أوكرانيا عسكريًا وماليًا حتى تضطر روسيا إلى التفاوض وفق شروط أوروبية.
    • انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي وربما إلى الناتو لاحقًا.
    • انسحاب روسيا من جميع الأراضي المحتلة، بما فيها القرم.
    • ضمانات أمنية غربية طويلة الأجل لأوكرانيا.

    موقف روسيا: تعتبر موسكو هذه الشروط مستحيلة وغير قابلة للتفاوض.

  2. الحل الروسي:

    • الاعتراف بضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم ودونباس وأي مناطق أخرى تحت سيطرتها.
    • ضمان بقاء أوكرانيا دولة محايدة عسكريًا، ومنزوعة السلاح جزئيًا.
    • رفع العقوبات الغربية المفروضة على روسيا.
    • ضمانات بعدم تمدد الناتو شرقًا وعدم نشر أسلحة غربية قرب الحدود الروسية.

    موقف الغرب: يرفض هذا الحل كليًا.

  3. الحل الأمريكي (التسوية الوسطية):

    • وقف فوري لإطلاق النار والبدء في مفاوضات مباشرة بين روسيا وأوكرانيا برعاية دولية.
    • انسحاب جزئي أو كلي للقوات الروسية من بعض المناطق، مع تأجيل البت النهائي في مسألة القرم ودونباس.
    • إعلان أوكرانيا دولة محايدة عسكريًا، مع ضمانات أمنية غربية قوية.
    • رفع تدريجي للعقوبات على روسيا وفقًا لالتزامها بالاتفاق.
    • مساعدات مالية ضخمة لإعادة إعمار أوكرانيا.

    موقف الإدارة الأمريكية الجديدة: تفضل هذا الحل لإنهاء الحرب بسرعة، ولكن تواجه مقاومة من زيلينسكي وبعض الدول الأوروبية.

خاتمة: كيف ستنتهي الحرب؟

في نهاية المطاف، سيأتي الحل عبر تسوية سياسية وسطية، تقضي بـ:

  • إعلان أوكرانيا دولة محايدة، مع ضمانات أمنية دولية.
  • انسحاب روسي جزئي أو كلي من الأراضي التي احتلتها منذ 2022.
  • تسوية وضع القرم ودونباس لاحقًا.
  • رفع تدريجي للعقوبات على روسيا.
  • إعادة إعمار أوكرانيا بتمويل دولي.

قد لا يكون هذا الحل مثاليًا لأي طرف، لكنه سيحقق السلام والاستقرار، ويمنع تحول الصراع إلى حرب أوسع، ويعيد التوازن للعلاقات الدولية.

 

يمكنك القراءة أيضًا : الديمقراطية ليست للبهائم

Pin It on Pinterest