نقد كتاب-الله والعلم والبراهين
السلام على من اتبع العقل ونبذ النقل وفكر، عسلامة.
الإنسان مهما كان أصله وفصله ودينه ومعتقداته، عندما يكون متعصب لفكره فهو يفقد المنطق عند دفاعه عن الأفكار التي يعتقد بها، وذلك نراه عند المؤلفين المتعصبين مهما كانت جنسيتهم أو اتجاهاتهم.
ولا يقتصر ذلك على الدول الخاضعة للتشريع الديني، فهناك مؤلفون أوروبيون من المفروض يكونون أكثر منطقية وعقلانية، على سبيل المثال الكتاب الفرنسي (الإله العلم الأدلة) الذي يفتقر إلى المنطق ومع الأسف هناك الكثير من المسلمين ممن يستدلون بالغرب فقط عندما يتوافق طرحهم مع الأيديولوجية الدينية التي يؤمنون بها، ويتم الترويج لها على نطاق واسع جداً بأنه علمي ولا يقبل الخطأ.
إذاً لا يهم من أين أنت سواء كنت أوروبي أو من شمال أفريقيا أو من الشرق الأوسط أو كنت مسلم أو مسيحي وغيره، المشكلة الكبيرة عندما تكون متعصب لفكرتك أو معتقدك وتضعهما قبل المنطق والعلم والإنسانية.
مقدمة نقد كتاب الإله العلم الأدلة (فجر الثورة)، أولاً وقبل كل شيء أريد أن أقول أن كل ما سوف يكون في هذه السلسلة من الفيديوهات حول كتاب الإله العلم الأدلة سوف يكون مصحوباً بالبراهين الفعلية والتصاريح العلنية الموثوق بها، وسيتم نقد الكتاب نقد منطقي وعقلي وحيادي لأن المعتقد والإيمان أمر خاص بالفرد فقط لهذا البحث يجب أن يكون محايداً دائماً. وعندما نتحدث مع الطرف الآخر لا يجب أن يكون الهدف منه الإقناع بفكرتي وإنما أن يفهم فكرتي و نترك له الخيار بأن يبلور فكرته الخاص
صدر في فرنسا وباللغة الفرنسية كتاب جديد يوم 13 أكتوبر 2021 من قبل دار النشر Guy Tridaniel Editions تحت اسم الإله العلم الأدلة (فجر الثورة)، شارك في إعداد هذا الكتاب كل من وليفييه بوناسيز وميشيل إيف بولوري.
يتكون الكتاب من 532 صفحة وينقسم إلى قسمين، القسم الأول عن الأدلة العلمية المادية الحديثة فيما يخص علم الكونيات وهو علم يدرس قوانين الكون وعلم بيولوجيا فيما يخص الخلية وظهور الحياة، القسم الثاني يعتمد الأدلة الغير العلمية فيما يخص الفلسفة والمنطق والتاريخ والظواهر الطبيعية الغير مفسرة أو ما يسمى بالمعجزات.
السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا اهتم بنقد هذا الكتاب؟ ونحن نعلم أن هذا النوع من الكتب أو البحوث ليس بجديد وكل سنة يصدر العشرات منها وبكل اللغات ومن طرف جميع أصحاب الأديان والمعتقدات وذلك محاولة منهم لاقحام العلم التجريبي المادي لإثبات معتقدات غير مادية ويستعملون كل المغالطات العلمية والمنطقية لكي يثبتوا صحة معتقدهم وهم يعلمون أن ما يقومون به لا ينطلي إلا على المغفلين والجاهلين بالعلم المادي التجريبي وأيضاً جاهلون بالمعتقد الذي يعتنقونه.
صحيح إن ما يقومون به سوف يمنع الكثير ممن ينتمون لدين أو عقيدة من الخروج منها أفواجاً ولكن لا ينطلي ذلك على أغلب من تحرر من وهم الدين ووهم الإله. إذاً نعود مرة أخرى للسؤال المطروح، لما أنا مهتم بنقد هذا الكتاب بالذات؟؟ الجواب سوف يذكر في عدة نقاط أشرح فيها السبب الذي دفعني إلى هذا النقد، وأهمها:
أولاً، يعتبر الكتاب كتاباً تجارياً: إذاً بيع أكبر عدد ممكن من النسخ هو من أحد أهدافه وذلك نلاحظه قبل صدور الكتاب حيث تمت الدعاية للكتاب على نطاق واسع وبإمكانيات مادية هائلة و بحرفية دقيقة، فإنه قبل صدور الكتاب بخمسة أيام كتب عنه مقال في مجلة فرنسية كبيرة يطلق عليها Le Figaro.
يوم 8 أكتوبر 2021، حيث تم تخصيص الغلاف الخارجي للصحيفة لمقال قد كتبه تشارلز جايجو، 45 عاماً (Charles Jaigu) وهو مراسل صحفي بارز في السياسية ومعروف ككاتب عمود في صحيفة “لو فيجارو”. ظهر لأول مرة في Le Point عام 2001، وبعد ذلك انتقل إلى Le Figaro عام 2005 موالياً لليمين. شارك في تغطية أخبار الإليزية خلال ولاية ساركوزي ونشر كتاباً عن إدارة الأزمات بقلم نيكولا ساركوزي بعنوان ساركوزي ، دو فوكيه في غزة (روبرت لافون).
وتتابعت الحملات الدعائية على كل وسائل التواصل الاجتماعي على أوسع نطاق، وفي وسائل الإعلام السمعية والبصرية وطبعاً الكتابية، وكان الشعار الرئيسي للدعاية للكتاب بأن العلم يثبت وجود الإله وهو عنوان يجذب فضول المتدينين خاصة، ولا ننسى الأموال الطائلة التي صرفت للدعاية من طرف ميشيل إيف بولوري وهو رجل أعمال سوف نتحدث عنه لاحقاً.
ثانياً، لقد تم تقديم الكتاب على أنه كتاب محايد، وأنه يبحث عن الإله كمهندس أو خالق للكون من الناحية العلمية وهذه أكبر كذبة لأن عندما نقرأ الكتاب نجد خلاف ذلك ولا وجود للحيادية، بل هو يدعو بصفة صريحة إلى إله اليهود والمسيح ، وهذا نتأكد منه عندما نعلم مباشرة أن وليفييه بوناسيز هو مبشر كاثوليكي وله جمعية مسيحية في إسرائيل ولديه موقع إلكتروني مسيحي وهو يعتبر من أكبر المواقع المسيحية التبشيرية، أي ليس مجرد مسيحي فقط وإنما مبشر وناشط وسوف نتحدث عنه أيضاً.
ثالثاً، دار النشر التي أصدرت الكتاب وطبعاً لمن لا يعلم أن دور النشر في فرنسا و في العالم كل واحدة منهم لها اتجاه خاص، هناك دور نشر مهتمة بأمور أدبية وهناك دور نشر مهتمة بالتاريخ وهناك دور نشر مهتمة بالعلم التجريبي وهناك دور نشر مهتمة بالأديان وهناك دور نشر مهتمة بالروحانيات والعلوم الباطنية والسحر والمعتقدات في الشرق الأقصى مثل اليوغا والزين….
وكل المعتقدات الغيبية والغير الصحيحة. ودار النشر التي أصدرت هذا الكتاب هي من هذا النوع الأخير، فمن المستحيل أن يصدر مثل هذا النوع من الكتاب من دار نشر علمية تجريبية لأنه سيضر في سمعتها ومصداقيتها. كما لا يمكن أن يصدر هذا الكتاب من دار نشر مهتمة بالمسيحية، لأن المسيحية تريد أن تبقى إيمان شخصي ولا تريد أن تدخل في معمعة استعمال العلم في تفسير العقيدة.
رابعاً، عندما شاهدت مقدم الكتاب Robert Woodrow Wilson وهو عالم كونيات وحاصل على جائزة نوبل للفيزياء، يعتبر عالم ذو مصداقية علمية كبيرة مما جعلني أتساءل كيف عالم بهذا المقام يقحم نفسه في خرافات من هذا النوع وخاصة أنهم في الكتاب يقدمونه في الأول ويتكلمون عنه في كل مقابلة تعريفية عن الكتاب وهو يعتلي الصفحة الأولى في الكتاب لكي يوهموا الناس أن لكتابهم مصداقية عالية.
وعندما قرأت مقدمته للكتاب، وجدته يتكلم عن جانب صحة المعلومات فيما يخص علم الكونيات فقط. ويقول يمكن أن يكون للوجود صانع ويمكن لا أي أنه لم يؤكد ذلك، أما قال إذا كان هناك أشخاص يريدون الاعتقاد بوجود إله بالمطلق فلا مشكلة وإنما المشكلة عندما تربطه بعقيدةأو دين أو أيديولوجية.
لم اكتفي بهذا القدر بل بحثت أكثر في الموضوع فوجدت مقال لصحيفة أكسبريس والتي هي أيضاً صحيفة كبيرة في فرنسا يقول فيها روبرت أنه نادم على ذلك وأنه لم يكن يعلم نية أصحاب الكتاب وأنه لم يطلع على كل الكتاب بل جزء منه، وهذا يدل على أنه نادم على كتابة المقدمة التي تضر بسمعته أكيد و ذلك طبعاً سنعرفه في المستقبل إذا اعترض على ذلك وسحب مقدمته في النسخة الجديدة.
خامساً، منذ بداية تتبعي للكتاب كنت أتصور وذلك على حسب أقوالهم أنهم قرروا كتابة الكتاب بعد إحصائيات وقعت في فرنسا أثبتت أن 51 % من الفرنسيين لا يؤمنون بالإله وأن حججهم هي العلم، فقرروا بكتابة كتاب لكي يثبتوا أن العلم والاكتشافات العلمية الأخيرة أثبتت على حسب قولهم أن للكون خالق أو صانع.
إلى هذه اللحظة لم أهتم بالموضوع لأني أعلم أن أغلب الملحدين في فرنسا هم أناس منطقيون ولن تنطلي عليهم هذه المسرحية وإن الكتاب سوف لا يجد مكان إلا عند الذين يعتقدون بدين أو عقيدة، وكنت متأكد أن الملحدون المنطقيون سوف ينقدونه و يثبتون زيفه و ذلك حدث بالفعل.
ولكن عندما قامت الجزيرة بالدعاية للكتاب وبدأ المسلمون يستعملونه كدليل علمي يثبت وجود الإله (طبعاً إله محمد) ويواجهون به الملحدين المتكلمين بالعربية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ بحجة أن هذا الكتاب منطقي وعلمي وصادر من فرنسا وهو دليل على وجود الإله. طبعاً هم يأخذون الجزء الأول ولا يتكلمون عن بقية الكتاب لأنها تدعوا للمسيحية وإله اليهود.
حينها قررت قراءة الكتاب لأنقده باللغة العربية لكي يصل إلى الجميع، واتمنى أن أنقده بطريقة علمية ومنطقية محايدة بعيداً عن اعتقاداتي و على الشخص المستمع أن يفكر و يقرر ماهية الكتاب، هل هو كتاب علمي؟ أم هو كتاب تبشيري؟ نعم فإن أول الكتاب إلى آخره ينطلق من فكرة أن إله المسيح واليهود هو الحق ووظف كل ما هي أفكار علمية ومنطقية للمصلحة التي يريد أن يصل إليها.
اتمنى أن أوفق في النقد وأكون محايداً، ونلتقي في الفيديو القادم وبسلامة.
0 تعليق