ما هو الواقع؟ بين العلم والفلسفة… بين العرفان والأسطورة!

بعد أن أدركنا أن للعرفان تصورًا خاصًا عن كيفية ظهور البشر على الأرض، بل إن لديه رؤية شاملة بشأن الوجود وكل ما يحتويه، يتّضح أن هذه الرؤية لا تختلف كثيرًا بين العارفين، سواء كانوا غير مبالين أو ربوبيين أو ملحدين. فالجميع يتفق على أن جسم الإنسان تكوَّن في رحم الحيوان قبل أن يولد وينفصل عنه، ليظهر بعد ذلك “عالم البشر” الذي أدّى إلى ظهور الإنسان بصورته الحالية.

الفرق بين هذه الأفكار بسيط نسبيًا.
يعتبر الربوبيون أن هذا التحوّل كان مُقرّرًا من قِبل “نفحة واعية” تُعرف بالإله أو الرب، وهي موجودة في كل شيء، وقد سمحت بحدوث الوجود.
وبالتالي، يرون أن الوجود هو تجلٍّ إلهي في المادة، بدرجات متفاوتة، أدّت إلى هذا التنوع. وبعبارة أخرى، هي نفحة إلهية خفية تدفع سير الوجود.

بينما يرى الملحدون أن هذا التغيير حدث بشكل طبيعي من داخل الموجودات ذاتها، وكان نتيجة منطقية للتركيبة الأولية للوجود، حيث كنا فيه في البداية، دون تدخل أي قوة خارجية أو داخلية. فتركيبتنا الذاتية هي القوة التي أدّت إلى ظهورنا.
يبدو أن الفارق بين الرؤيتين بسيط في الظاهر، لكنه عميق في الواقع؛ حيث يعتبر الربوبيون أن الوجود هو تعبير عن الإله، بينما يراه الملحدون كنسخة عن ذواتنا.

في المقابل، اللامباليون لا يهتمون بالخوض في هذه المسألة أصلًا، ويعتبرون أن ما حدث قد حدث، سواء كان بفعل قوة إلهية باطنية أم نتيجة طبيعية للوجود. فالمهم بالنسبة لهم هو أننا موجودون الآن، ولا جدوى من البحث في ما لا يمكن التأكد منه أو معرفته، مما يُعد مجهولًا كليًّا. فالعدم العدمي هو بالفعل مجهول؛ لا ندري هل هو نحن أم شيء آخر؟

يعتبر العارفون أن المعرفة العرفانية تمثّل تجربة تُدرك في البداية عن طريق الحواس، مما يفتح المجال أمام التجربة العلمية. فهي ليست معرفة صحيحة بالضرورة، ولا خاطئة بالضرورة، بل تُعد بعدًا آخر من المعرفة يُعاش ويُختبر من الداخل، من خلال الوعي والتجربة الحسية المباشرة، ثم يُختبر ويُعاش في العالم الخارجي من خلال العقل والتجربة المادية الفعلية.

فالعرفان، في وجهة نظر الربوبيين والملحدين على حد سواء، يجب ألا يكون ناتجًا عن فراغ أو عن شيء مجهول تمامًا. حتى وإن كان هذا الشيء مجهولًا بالفعل أو غامضًا، فإنه يتوجب علينا اتخاذ موقف معين، أو افتراض فرضية، أو بناء سيناريو نستند إليه.
وتفترض السيناريوهات المحتملة أن المجهول لا يمكن أن يكون سوى أحد أمرين: إما “نحن” أو “هو”، وذلك لكي نبني فكرتنا على هذا الافتراض، ويصبح دافعًا للإنسان من أجل السعي نحو الحقيقة الفعلية.

فالعارف لا يتجاهل العقل، ولا ينكر المعرفة، بل يدرك أن هناك مستويات أعمق من الفهم تتجاوز التحليل المنطقي والواقع المادي، وهذه المستويات تمكّنه من استيعاب الظواهر الكبرى مثل بداية الوجود، والإنسان، والكون.

مثال رمزي لفهم التجربة العرفانية

ولنقرّب الفكرة إلى العقل البشري، نضرب المثال التالي:
تَصوّر إنسانًا وُلد ونشأ في الصحراء، حيث لم يعرف سوى بعض العناصر: رمال منبسطة، سماء زرقاء كأنها قُبّة، أحجار صغيرة مكوّنة من حبيبات الرمل، ليل حالك، نهار مشرق، وواحات تنبع منها مياه عذبة.

هذا الإنسان يدخل في حالة ارتقاء عرفاني روحي، مستندًا إلى ما يحمله عقله وحسّه من معرفة مادية نابعة من بيئته المحيطة، لينطلق بعيدًا عن الإطار المادي الذي يحيط به، في محاولة لاستكشاف ما قد يكون خلف هذه الصحراء وما تحتويه.

في تجربته، يرى جبالًا شاهقة تغطي السماء، ويرى بحارًا عميقة شفافة، وأودية ممتدة، ويرى غابات لا نهاية لها. بل وقد يرى حيوانات لا يعرف لها اسمًا ولا شكلًا.
وعندما يعود من تجربته العرفانية، ماذا عساه أن يقول؟
هو متيقّن مما رأى، لكن لغته لا تسمح له بالتعبير عمّا شاهده، ولا يستطيع إقناع الآخرين بوجود ما رآه فعلًا. فكيف له أن يصف ما لم يعرفه عقله من قبل، ولا تملك لغته مفردات للتعبير عنه؟

ما سيقوله هذا العارف هو ما سيحدد نظرة قومه له. ومهما قال، لا بد أن يجد من يصدّقه ويؤمن به، كما سيجد من يكذّبه ويحاربه. وهنا، يجد العارف نفسه في ورطة كبيرة؛ فقد يكون خياره الأفضل هو الصمت الكامل، أو الكلام فقط مع من يثق أنه سيصدّقه. أي أن حديثه سيقتصر على مجموعة معينة، وأن يعبّر بلغة رمزية يفهمها من يستحق الفهم.

الآن ضع نفسك مكان هذا العارف لكي تفهم ما يعيش…
تخيّل أنك رأيت فعلًا كائنًا حيًّا لا يعرفه أحد، ولم يره سواك. كيف ستعبّر عنه؟
ماذا ستقول للآخرين؟ كيف ستصفه؟
ما نظرة الآخرين إليك حينها؟
كيف ستواجه هذا الموقف المحرج، الذي قد يجعلك ـ في نظرهم ـ مجنونًا، أو حكيمًا، أو فيلسوفًا، أو مكتشفًا، أو عبقريًا، أو حتى رسولًا؟ ومن سيُصدّق ما سوف تقول؟

العارف أمام مفترق الطرق: الصمت أو التعبير؟

ليس من الهيّن على العارف أن يعبّر عمّا شاهد وخابره، خاصةً وهو بلا دليل مادي يقدّمه، ولا كلمات قادرة على وصف تجربته.
وهنا، يجد العارف نفسه أمام مفترق طرق، والتصرّف الذي سيقوم به لا يحدّده أحد سواه، بل هو قرار شخصي خالص، يتأثر بعدّة عوامل، وهي:

العوامل الداخلية:
أهمها طبيعة العارف نفسه:
هل هو مغامر؟
هل يمتلك الشجاعة للمواجهة؟
هل لديه روح المبادرة؟
إلى أي مدى يؤمن بما شاهده؟

كل هذه العوامل الذاتية تؤثر بشكل كبير في اختياره لطريقة الإفصاح عمّا رأى.
لكن ذلك لا يكفي.

فالعارف، في العادة، ليس شخصًا أنانيًا يركّز على ذاته فقط، بل هو غالبًا حكيم ينظر إلى من حوله، ويأخذ في الحسبان ما قد تسبّبه أقواله من أثر.
ولهذا، عليه أيضًا أن يراعي جملة من العوامل الخارجية عند اتخاذ قراره، مثل:

  • مستوى وعي الآخرين،
  • الزمان الذي يعيش فيه،
  • طبيعة مجتمعه،
  • التوقعات المحتملة لردود أفعالهم،
  • التأثيرات القريبة والبعيدة لما قد يقوله، سواء كانت سلبية أو إيجابية.

كل هذه المعطيات الداخلية والخارجية، إضافة إلى مدى استعداد الآخرين لتقبّل ما سيقوله، يجب أن تُؤخذ بعين الاعتبار، ليُحدّد العارف في النهاية، بحكمة:
هل يتكلم؟
ماذا يقول؟
ولمن؟
ومتى؟

إن جميع العارفين الذين عاشوا التجربة العرفانية فعليًّا، يُفضّلون الصمت تجاه العامة. فهم لا ينقلون معارفهم إلا إلى تلاميذهم، كلٌّ بحسب استعداده وقدرته على التلقّي.

وهكذا، يتعامل العارف مع كل تلميذ بطريقة خاصة، وبأسلوب مختلف في نقل المعلومة، وغالبًا ما يكون ذلك من خلال الرموز والإشارات، لا بالتصريح المباشر.
هذا هو أسلوب العارفين، خاصة أصحاب المقام العالي. وغالبًا ما يبقون غير معروفين خلال حياتهم، إلا لدى قلّة قليلة من الناس.
وإن عُرفوا، فلا يُعرفون بصفتهم “عارفين”، بل يُنظر إليهم بصفات أخرى… أي أن شهرتهم ـ إن وُجدت ـ تكون تحت غطاء آخر غير العرفان نفسه، إلا القلة القلائل.

مراتب العارفين بين التعلم والتجربة

قبل أن نُجيب على سؤال: “كيف يتصرّف العارف؟”، لا بدّ أن نطرح سؤالين مهمين:

الأول: ما هي مراتب العارفين؟
الثاني: ما هي مصادر العارف؟

نبدأ بالسؤال الأول:
فالكثيرون يظنّون أن العارف هو فقط من يتعلّم عند معلّم، وهذا غير صحيح، كما يخلطون بين العارف “المتعلّم أو المُلقَّن”، والعارف “صاحب التجربة الفعلية”. كما لا يُفرّقون بين العارف الذي خاض تجربة عرفانية محدودة، وبين العارف صاحب المقام العالي، الذي يُطلق عليه في التصوف “القطب”، وفي الإسلام يُعرف بـ”الإمام”، وفي المسيحية بـ”البابا”، وفي اليهودية بـ”ربي”.

هذا التمييز ضروري، لأن مصادر المعرفة مرتبطة بمراتب العارف:

العارف العصامي أو الشخصي:

في العرفان، يُطلق اسم “عارف” على كل إنسان يسعى إلى المعرفة، مهما كانت الطريقة، ومهما كان اجتهاده أو عمق تجربته.
بعبارة بسيطة: يكفي أن تكون لديك رغبة داخلية صادقة في أن “تعرف”، وتتساءل بينك وبين نفسك، حتى وإن كان سعيك لا يزال في بداياته، أو كان مجرد هواية فكرية لا تُلهيك عن حياتك اليومية… فأنت عارف.
مثلًا، يكفي أن تتأمل بينك وبين نفسك دون قراءة شيء أو تعلمه عند معلّم… كلّ هذا يدلّ على أن في داخلك شعلة معرفة، وهذه الشعلة – مهما كانت صغيرة – تجعلك بالفعل في طريق العرفان، وتمنحك صفة “عارف عصامي”.

العارف المُلقَّن:

مصدر معرفته هو التعلّم من الكتب، أو من معلمين سبقوه، وهو ينقل ما فهمه بعقله أو ما سمعه من غيره.

العارف صاحب التجربة المحدودة:

مصدر معرفته هو تجربة روحية أو باطنية مرّ بها، لكنها قد تكون جزئية أو مؤقتة، وتحتاج إلى التأمل والتفسير.

العارف صاحب المقام العالي:

هذا هو العارف الذي بلغ مرتبة الاتصال العميق والمباشر بالحقيقة، ومصدر معرفته هو التجربة الكليّة التي تشمل الباطن والظاهر، الداخل والخارج، وتتجاوز حدود العقل والتلقين.
هذا النوع من العارفين نادر، ويصعب التعرّف عليه بسهولة، لأنهم غالبًا ما يُخفون مقامهم، ولا يُفصحون عنه إلا لخاصّتهم، أو لا يُفصحون إطلاقًا.

بعد ذلك، تبدأ المقامات في التمايز والظهور، بحسب كمية المعرفة التي يجمعها، ونوع المعلومات التي يدركها، وعمق التجارب التي يخوضها. ومع مرور الزمن، يرتفع مقام العارف، وتتّسع دائرة إدراكه، كلٌّ بحسب سعيه واستعداده.

مصادر المعرفة العرفانية: من اليقظة إلى السجلات الكونية

الآن نجيب على السؤال الثاني: ما هي مصادر العارف؟

المصدر الأول: يُطلق عليه “المشاهدة” أو “الانتباه اليقظ” والوعي.

فهو مصدر داخلي شخصي للفرد.
هذا المصدر متاح للجميع ولا يتطلب معلمًا أو أي شيء آخر. يكفي أن يكون الإنسان يقظًا في تفكيره، يلاحظ ما حوله، ويعي كل ما يفعله. لا يتصرف بطريقة آلية، بل يُقارن ويفكر، ويظل دائمًا في حالة من الانتباه لكل ما يخطر في ذهنه من أفكار.

هذه اليقظة يمكن أن تكون في فترات محددة من اليوم، مثلًا: عند الاستيقاظ أو قبل النوم أو أثناء فترات الراحة أو التأمل التي يحددها الشخص. من خلال هذه الحالة، يصبح العارف قادرًا على تعلُّم الكثير من الأشياء، يتجنّب الأخطاء ويكتسب حكمة تساعده في مواجهة مشاكل الحياة.

هذا النوع من العرفان هو عرفان شخصي وفردي، قد يكون كافيًا للكثيرين، حيث يراجع الشخص نفسه، ويطوّر أفكاره، ويصلح من ذاته، ويتعلَّم من تجارب الآخرين.
وبذلك يصبح العارف على دراية بكثير من الأمور، حتى وإن كانت بسيطة وتخصّ الحياة اليومية، لكنها تُعد نوعًا من العرفان.

هذا النوع من العرفان، بمختلف درجاته، أصبح اليوم في متناول معظم الناس، مهما كانت خلفياتهم.
لكن الأديان والأيديولوجيات المُلقَّنة تمنعهم من التحرر كليًا، حيث تحبسهم في الإطار الديني والعقائدي ضمن ثقافة العبودية والجهل.
وعندما يسمعون كلمات تسعى لتحريرهم، يخافون، ويشتمون، ويهربون، ويعتبرون المعرفة عملًا شيطانيًا، رغم أنهم يعيشون في الضلال نفسه.

المصدر الثاني: يُطلق عليه “التلقين”، أي المعرفة المتوارثة عبر الأزمان من خلال علوم منقولة عن العارفين الأوائل.

هنا، يتعرف العارفون على المعرفة من خلال المعلومة الشفهية، سواء كانت من شيوخهم، معلميهم، أو الكتب التي يُطلق عليها عادة “حكمة الأولين” أو “معرفة الأولين”.
هذه المعرفة تعتبر سرية جدًا، وغالبًا ما تُنقل عبر الرموز أو الشفرات، ولا تُفسَّر للطالب إلا من خلال معلم خاض التجربة العرفانية، بعد أن تلقّى هو أيضًا هذه المعرفة من معلّميه.

أغلب هذه المعرفة شفهية، أو مكتوبة بطريقة لا يفهمها إلا العارفون، وتُعتبر متناقلة منذ ظهور البشر على الأرض. وكل عارف يضيف إليها بحسب تجاربه ومعرفته، مما يجعلها مستمرة في التطور والتجدُّد عبر الأزمان.

هذا المصدر قد يكون الكتاب نفسه هو المعلّم، وليس معلّمًا بشريًا. بعض الناس يقضون حياتهم بالكامل وهم يعتمدون على المعرفة المنقولة، سواء من الكتب أو من معلّمين، ويُحقّقون من خلال ذلك مستوى من العرفان لا بأس به، دون أن يخوضوا التجربة العرفانية بأنفسهم.
هؤلاء هم أصحاب المقام المتوسط من العرفان، وهو “العرفان الأوسط”.

من هذا المقام المعتدل يظهر الكثير من الكُتّاب والمخترعين والمفكرين والفلاسفة، وكذلك الناجحين في حياتهم.
بل يمكن أن نعتبر أن الفلاسفة، الأنبياء، الرسل، وحتى الحكام والقادة هم العارفون الذين حصلوا على العرفان المُلقَّن، سواء كان عن طريق معلّم أو كتب.

وعندما يصل هؤلاء إلى هذا المستوى من المعرفة، فأكيد قد مرّوا بالمستوى الأول الذي لم يكفِهم ولم يُشبِع عطشهم للمعرفة.

المصدر الثالث: يُطلق عليه “السمو” أو “الارتقاء” إلى الذاكرة الوجودية.
يصل العارف إلى مستوى متقدم من الفهم عن طريق التأمل والاعتكاف، الذي يُنتج ما يُسمى “الإسقاط النجمي”، ليصل إلى ما يُطلق عليه “السجل الكوني” أو “الذاكرة الكونية”، وذلك وفقًا لبعض الفلسفات وعلم النفس.

هذه الفكرة تقريبًا مشابهة لما تطرحه الأديان الإبراهيمية من فكرة اللوح المحفوظ أو الكتاب المحفوظ، كما يُشار إليه في القرآن في عدة آيات، منها الآية التي تبدأ بها سورة البقرة: ذلك الكتاب لا ريب فيه.

هذه الفكرة نفسها تجدها أيضًا في الديانات والمعتقدات في أقصى آسيا تحت مسمى السجلات الأكاشية، التي ترتبط بالذاكرة الكونية.

إن كل الأديان والمعتقدات البشرية تقريبًا لها شيء مشابه لهذا المفهوم، حتى في المعتقدات القديمة في أفريقيا وأستراليا، وكذلك عند الهنود الحمر والشامان.
بل نجد أن هذه الفكرة تظهر أيضًا في العلم التجريبي الحديث، حيث يربطها البعض بميكانيكا الكم والفيزياء، والعقل الجامع أو “نظرية الكل” واللاشعور.

السجل الكوني: بين العرفان والدين والعلم

يتميز الفرق بين الفلسفة وعلم النفس والأديان والعلم التجريبي والعرفان بأن جميع هذه المجالات تتلاقى في الاعتقاد بأن السجل الكوني، الذي يُشار إليه في مختلف المناهج الفكرية والروحية، يحتضن كل ما يتعلق بالماضي، حيث يُوثّق فيه جميع الأحداث، من البسيطة إلى العظيمة.
هذا المصدر لا يُعنى فقط بالماضي، بل يشمل أيضًا الحاضر الذي يتأرجح بمرور الزمن ليصبح ماضيًا، فضلًا عن المستقبل القريب الذي سيصير حاضرًا قبل أن يتحوّل إلى ذكرى.

لكن، هناك تباين في الأديان الإبراهيمية، حيث تقول هذه الأديان إن السجل الكوني لا يحتوي فقط على ما كان وما سيكون، بل يتجاوز ذلك ليشمل المستقبل البعيد، ويذهب أبعد من ذلك ليقول إنه يتضمن ما كان وما يكون وما سيحدث في المستقبل مهما كان بعيدًا.

أما بالنسبة للآخرين، مثل الفلسفة والعلم التجريبي والعرفان، فيرون أن السجل يحتوي على ما كان وما يكون وما يُحتمل أن يكون في المستقبل، أي كل الاحتمالات دون التأكيد على ما سيحدث فعلًا.

من الجدير بالذكر أن كل هذه المجالات مصدرها العرفان الخام؛ الفكرة الأساسية نفسها، ولكن كل منها يفسّرها ويسمّيها بما يتماشى مع منهجه والهدف الذي يسعى للوصول إليه.

كيف ترى المناهج الفكرية السجل الكوني؟ وما الاسم الذي تُطلقه عليه؟

📌 الإسلام أو الأديان الإبراهيمية:
اللوح المحفوظ هو سجل إلهي أزلي، كُتب فيه كل شيء منذ الأزل وحتى الأبد، يشمل خلق الوجود وكل تفاصيله من أفعال الكائنات والمصائر.
هذا السجل لا يعلمه إلا الله وحده.
يشمل اللوح المحفوظ الماضي والحاضر والمستقبل، ولكن الله يختص بعض أوليائه بالاطلاع على جزء منه فقط، خاصة فيما يتعلق بالمستقبل، كما يؤكد القرآن ذلك في عدة آيات، مثل قوله:
عالم الغيب فلا يُظهر على غيبه أحدًا * إلا من ارتضى من رسول (سورة الجن، الآيتان 26 و27).
إذن، في الأديان الإبراهيمية، كل شيء مُقدّر من الله منذ البداية، كما ورد في الآية:
قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا، هُوَ مَوْلَانَا، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (سورة التوبة، الآية 51).

وهذا موضوع معقّد في الأديان الإبراهيمية، لأن القول بأن كل شيء مُقدّر يعني أن البشر ليسوا مخيّرين في أفعالهم، وأن كل شيء مكتوب مسبقًا، وهو ما يتناقض مع بعض المفاهيم الدينية المتعلقة بالحرية والاختيار.
ولكن هذا ليس موضوعنا هنا.

📌 الأديان الروحانية:
السجلات الأكاشية هي مفهوم موجود في الديانة الفيدية والهندوسية وبعض الديانات الروحانية الغربية الحديثة التي تأثرت بالبوذية.
كلمة “أكاشا” تعني “الأثير” أو “الجوهر الخفي” في السنسكريتية.
يُعتقد أن السجلات الأكاشية هي مكتبة غير مادية تحتوي على كل التجارب والأفكار والعواطف التي مر بها أي كائن في الوجود.
يؤمن المؤمنون بهذا المفهوم أنه بإمكان البعض “الدخول” إلى هذه السجلات عبر التأمل أو التنوير الروحي، لاكتشاف معلومات عن أنفسهم أو عن الآخرين، وحتى عن أرواحهم في حياة سابقة.
يقال إنها تحتوي على الماضي، الحاضر، وإمكانيات المستقبل — وليس المستقبل المُحدد، بل احتمالاته بحسب “الطاقة الحالية” للفرد.

📌 في الفلسفة:
يُستخدم مفهوم العقل الكلي للإشارة إلى أن الكون كله عبارة عن أفكار تتشكل من المادة.
ويُعتقد أن الكون ذاته يحتوي على عقل كلي يحتفظ بكل ما حدث، وكل ما يحدث، وأيضًا كل الاحتمالات التي قد تحدث في المستقبل أو التي يمكن أن توجد.

📌 علم النفس:
يُعتبر اللاشعور مكانًا يمكن من خلاله الوصول إلى “الذاكرة” التي تحتوي على التجارب السابقة، ويمكن الوصول إليها عبر حالات تأملية عميقة، أو وعي مرتفع، أو من خلال الأحلام وأحلام اليقظة، أو عبر التنويم المغناطيسي.
يُعتقد أن اللاشعور يحتوي على سجل للماضي والحاضر، وقدرات محدودة لرؤية المستقبل عند من يتمتعون بنظرة ثاقبة.
كما أن اللاشعور لا يحتوي فقط على ما مرّ به الفرد من تجارب، بل أيضًا على تجارب الآخرين الذين التقى بهم أو شاهدهم.

📌 العلم المادي التجريبي:
يُستخدم مفهوم “ذاكرة المادة” لتفسير فكرة أن كل حدث يترك أثرًا في المادة.
يُعتقد أن المادة تحتفظ بذاكرة لكل ما يحدث فيها.
البعض يربط هذه الفكرة مع ميكانيكا الكم أو الطاقة.
وفقًا لهذا المفهوم، يمكن الوصول إلى هذه الذاكرة عبر الأدوات والاختراعات العلمية والآلات المادية للتحليل، مما يسمح بفهم العديد من الأحداث التي حدثت في الماضي.
يُعتقد أيضًا أن كل فعل أو صوت أو حدث مادي يترك تسجيلًا في المادة نفسها، سواء كان في الجينات أو على شكل صور وأصوات.
وفي المستقبل، قد نتمكن من “رؤية” أحداث الماضي وكأنها تحدث أمامنا في فيلم مصوَّر، بفضل التقدم العلمي والتجريبي.

فكرة الأثير: الوسيط بين الوجود والعدم

فكرة الأثير، كمفهوم، تطوّرت عبر العصور بين الفلسفة والعلم والعرفان.

في العلم القديم، كان يُعتقد أن الأثير هو وسط مادي ينقل الضوء والموجات الكهرومغناطيسية، لكن نظرية النسبية لأينشتاين ألغت هذه الفكرة عندما أثبت أن الضوء لا يحتاج إلى وسط للانتقال، ليحلّ محلها مفهوم الزمكان في إطار النسبية العامة، وهو ليس الأثير التقليدي، بل نسيج يجمع بين المكان والزمان ويتأثر بالجاذبية.

أما في الفكر العرفاني والغنوصي، فالأثير لا يُنظر إليه كمجرد وسط مادي، بل كقاعدة للوجود الحالي وكواسطة بين الوجود والعدم، تربط بين العالمين: الوجودي والعدمي.
ويُعتقد أنه يحتوي على معلومات عن الماضي والمستقبل، تُعرف بـ السجلات الأكاشية، يمكن الوصول إليها من خلال التأمل وحالات الوعي المتسامي.

في هذا السياق، لا يُعدّ الأثير وجودًا ولا عدمًا، ويُعتبر الوسيلة التي تُمكّن الإنسان من الاتصال بكل ما هو ماضٍ وحاضر واحتمالات المستقبل.
ورغم أن العلم الحديث قد تخلّى عن مفهوم الأثير التقليدي، فإن العرفان لا يزال يعتبره مصدرًا مهمًّا للمعرفة وكشف أسرار الوجود.

لغة الرمز والتجربة في العرفان الخام

الآن، بعد أن فهمنا أنواع العارفين الثلاثة:

  • العارف العصامي
  • العارف المتعلّم
  • العارف المُجرِّب

وعرفنا مصادر المعرفة التي هي:

  • المعرفة الشخصية الذاتية
  • المعرفة المتعلَّمة والمُلقَّنة
  • المعرفة بالارتقاء إلى الذاكرة الوجودية

نعود إلى القصة التي طُرحت كمثال، والتي تمثّل تجربة العارف المجرِّب.

هذا النوع من العارفين هم من ارتقوا بأنفسهم، وشهدوا ما لم يشهده غيرهم، واختبروا عوالم الوعي بشكل مباشر.
هؤلاء لا يتحدثون من فراغ، بل ينقلون ما عاشوه لتلاميذهم أو لمن يثقون بهم، وغالبًا ما يستخدمون الرموز والتلميحات في أشعارهم أو أمثالهم الشعبية، دون أن ينسبوا بالضرورة القول لأنفسهم.

لذلك كثيرًا ما نراهم يستخدمون عبارات مثل: “قيل لي”، “قالوا”، “سمعت”…
وهذا جزء من طريقتهم في نقل المعرفة، ليس عن جهل أو تقليد، بل تواضعًا، ولأنهم يعتبرون التجربة أوسع من أن تُحصر في فرد.

وحتى إن كانت بعض المعلومات قد سمعوها أو تعلّموها، فإنهم لم يقبلوها إلا بعد أن اختبروها بأنفسهم، ولهذا حين ينقلونها يكون ذلك عن يقين، لا عن تقليد.

في سعي العارف المُجرِّب لنقل تجربته، يلجأ إلى استخدام لغة رمزية ومجازية تنبع من بيئته ومفاهيمه، ليقرّب الصورة إلى أذهان من لم يشهدوا ما شهده.

  • فعندما يصف البحر، يقول: “هناك ماء كالصحراء”، مستعينًا بصورة مألوفة لمن عاش في بيئة صحراوية.
  • وحين يرى الأنهار، يقول: “هناك منبع ماء كالحية”، مجسّدًا حركة الماء في صورة مألوفة من الحياة البرية.
  • ويصف الغابات بأنها: “واحات كبيرة تغطي الصحراء وتحجب نور الشمس”،
  • والجبال أو التلال بأنها: “أعمدة أو أحجار مكونة من حبات الرمل تحجب النظر وتغطي جزءًا من السماء”،
    وكل هذا ليجعل الغريب مألوفًا.

العارفون، من خلال تجاربهم العميقة وارتقائهم في الوعي، أدركوا أن ما يشاهدونه في تلك العوالم العليا غريب عن ما يعرفونه ويعيشونه في حياتهم اليومية.
ولذلك، ومع مرور الزمن وتكرار التجربة، تعلّموا أن يُعبّروا عن رؤاهم وأفكارهم باستخدام رموز وعلامات مرنة، تفتح أبواب الفهم على مصراعيها، دون أن تُقيّدهم بتفاصيل قد تُناقض لاحقًا ما قد يُكتشف أو يُفهم بشكل أوسع.

هذه القدرة على الوصف الرمزي هي جوهر ما يُعرف بـ العرفان الخام — أي عرفان صادق وأصيل، ينقل المعنى بعمق دون أن يتقيّد بالقشور الظاهرة أو بالعبارات المتداولة.

ولهذا، يعلّم المعلم العارف تلميذه المقرَّب أن:
المثل يُضرَب ولا يُقاس عليه،
أي أن الرمز مفتوح التأويل،
في حين يبقى التلميذ البعيد أسيرًا للظاهر، متشبثًا بالقشور، غافلًا عن اللب الحقيقي للمعرفة.

ما يقوله العارف صاحب المقام العالي، وما يُعلّمه من مشاهداته وتجربته الوجودية، غالبًا ما يُحدث أثرًا عميقًا في نفوس تلاميذه أو من يطّلعون على أقواله.
فالمعاني التي ينقلها، وإن جاءت مُشفّرة أو رمزية، تُوقظ فيهم شعورًا بالصدق والدافع للبحث.

كل واحد منهم يسلك طريقه الخاص، محاولًا فهم تلك الإشارات وتبسيطها أو إعادة صياغتها بما يمكن أن يصل إلى عامة الناس.
وهكذا، يصبح العارف حافزًا كبيرًا لتقدّم المعرفة وانتقالها، لا كمعلومة جامدة، بل كـ حياة تُلهم وتُوقظ، وتدفع بالآخرين للسير في طريق الاكتشاف بأنفسهم.

فعندما يقول العارف الخام جملة مثل:
ما وراء عالمنا، أو بعيد عنا، أو ما وراءنا، هناك صحراء من ماء
فهو لا يقصد بها مجرد صورة شعرية أو وصفًا غامضًا، بل ينقل تجربة واقعية عايشها خلال ارتقائه الوجودي، ويصف بها البحار التي رآها بلغة ترمز إلى عالم مألوف لمن حوله —
فـ”الصحراء” تشير إلى الامتداد الواسع، و”الماء” إلى الطبيعة الجديدة والغريبة على بيئته الأصلية.

من الرمز إلى الحقيقة: كيف تنتشر الفكرة العرفانية؟

لكن كيف تصل هذه الجملة إلى العامة؟
هنا تبدأ السبل المختلفة لبقاء الفكرة وتحوّلها إلى معرفة متداولة:

  • العالِم أو المتعلِّم الذي فهم رمزية العارف، يُعيد صياغة الجملة في شكل علمي أو معرفي أقرب لفهم الناس، فيقول:
    “ربما هناك مساحات شاسعة من الماء خلف الأفق”، وبهذا يحافظ على الفكرة ويوصلها بلغة أكثر قربًا للعقل الجمعي.
  • الشاعر أو الحكواتي قد ينقل العبارة كما هي، أو يدمجها في قصة رمزية أو ملحمة شفوية، فتصبح جزءًا من الذاكرة الشعبية والأساطير، وتنتقل من جيل إلى جيل.
  • الروحاني أو المتأمل يستقبل الجملة كما هي، ويجعلها بابًا للتأمل والتجربة الذاتية، فيسعى للارتقاء الداخلي ليكتشف بنفسه ما أراد العارف قوله.
  • أما العامة، فقد لا يفهمون المعنى الدقيق، لكن الجملة تظل عالقة في الأذهان كقول مأثور أو حكمة غريبة، تبقى محفوظة إلى أن يأتي زمان أو شخص يفهمها أو يثبتها الواقع.
  • الرسل والأنبياء والدجالون: يأخذون الفكرة العرفانية ويؤلفون حولها قصة دينية أو أسطورية، يستخدمونها لإقناع الناس باتباعهم، وقد يربطونها بالنجاة بعد الموت أو بالجنة، ويجعلون الوصول إليها مشروطًا بالإيمان والطاعة.
  • المفكرون: يتناولون الفكرة من زاوية عقلانية، فيتساءلون:
    هل يمكن فعليًّا تحويل الصحراء إلى ماء؟
    ويطرحون مقترحات وفرضيات علمية أو نظرية لتفسير أو تطبيق الفكرة.
  • الفلاسفة: يتأملون الرمز في حد ذاته، ويطرحون السؤال الوجودي:
    هل “الصحراء من ماء” حقيقة أم مجاز؟
    أهي أمل مستقبلي أم تعبير عن حالة حقيقية؟
    فيغوصون في المعنى العميق للفكرة.
  • الأدباء: ينسجون من الفكرة عوالم خيالية وقصصًا رمزية، يخلقون شخصيات وأسماء وممالك، ويحوّلونها إلى مادة سردية تمزج بين الواقع والخيال.
  • الفنانون: يُعبّرون عنها بالألوان، والأشكال، والنحت، والموسيقى، يحوّلون الفكرة المجرّدة إلى إحساس بصري أو صوتي، يجعلها ملموسة بطريقة فنية.
  • الباحثون والمكتشفون: يأخذون الفكرة كحافز حقيقي للبحث، يذهبون لاكتشاف البحار والمحيطات، مدفوعين بالإيمان بأن العارف لم يكن يهذي، بل كان يشير إلى شيء واقعي.
    ورغم أن الواقع لا يطابق الوصف تمامًا، إلا أن جوهر الفكرة يتحقق ويُثبت.

وهكذا، تبقى عبارة العارف حيّة، تتحرّك بين العقول والقلوب عبر أشكال مختلفة من الفهم والتأويل، حتى تحين لحظة كشف الحقيقة، فيُدرك الناس أن ما قيل قديمًا برمز صحراء من ماء، كان وصفًا مبكرًا لشيء صار الآن معلومًا ومحسوسًا، وهو البحر.

الدين كتأويل للعرفان: من وحي التجربة إلى قداسة النص

لماذا ذُكرت هذه المعلومة عن العرفان والعارفين؟

الجواب هو أن تفهم أولًا أن تأويلات العرفان ليست لها أي قيمة حقيقية، وهذا ما تفعله كل الأديان.
فالأديان والمذاهب الدينية هي في الحقيقة تأويلات للأفكار العرفانية الخام، صيغت لقومٍ معيّنين، في مكان وزمان معيّنين.

الأديان هي تأويل مؤقّت لعامة الناس، لكنها تصبح مع الوقت كذبة، خاصة بعد أن يفضحها العلم التجريبي.
ولكن، لأن هذه الأديان تحمل صفة الوحي الإلهي – وهي الكذبة الكبرى – فإنها تُعتمد كمرجعية مطلقة.

فالوحي هو الأداة الأولى التي يستخدمها الرسل من أجل إقناع عامة الناس بأن ما يقولونه صحيح، لأنه صادر عن إله أو رب، ووحي نازل من السماء.
لكن الحقيقة هي أن ذلك مجرد تأويل مؤقّت ومحدود في الزمان لما توصّل إليه العارفون في تجربتهم العرفانية.

أي أن الإله الذي تتحدث عنه الأديان هو في الحقيقة ذلك العارف صاحب المقام العالي، الذي يولد ويموت مجهولًا.

ويُؤخذ هذا التأويل على أنه مقدس، أي حقيقة مطلقة، قادمة من قوة أعلى من الإنسان وتعلم كل شيء.
وطبعًا، هذه القداسة التي تُغلف بها النصوص الدينية، تُحوِّلها إلى حقائق يصعب التشكيك فيها أو إزالتها، حتى أمام الدليل العلمي التجريبي.

بل إنه، في كثير من الحالات، يتم تأويل النص الديني مجددًا ليتوافق مع الاكتشاف العلمي، ويُعتبر ذلك إعجازًا إلهيًا.
بينما الحقيقة أن الفكرة العرفانية الخام – لا النص الديني – هي الإعجاز الإنساني الحقيقي.

العرفان أو الغنوصية ترى أن الحقيقة الفعلية هي تلك التي نعتقد بها كأفراد،
بينما الحقيقة العامة ترتبط بالزمان والمكان الذي نعيش فيه ومعرفتنا به.
أما الحقيقة المطلقة، فهي التي أثبتها العلم المادي التجريبي، وتتطوّر مع مرور الوقت وتثبت أكثر مع التجارب العلمية.
ومن خلال العلم التجريبي، نقترب تدريجيًّا من الحقيقة كما هي.

العرفان والواقع المعاصر: نحو تحرر الفكر من القيد الديني

ويعتبر العرفان أن الأهم هو أن يكون لدينا نظرية لفهم ما حدث، حتى وإن كانت غير كاملة، فالمهم هو التقدّم نحو الأفضل.
أما السيناريوهات الدينية، التي غالبًا لا تتناسب مع زماننا ومستقبلنا، فهي قد تكون صالحة في زمانٍ مضى، أو لبعض الأشخاص الذين لا يمتلكون القدرة على التحرر الفكري والنفسي، لكن لا يمكن اعتبارها صالحة للمجتمع الحضاري والإنساني المعاصر.

الأديان، بحسب العرفان، موجهة للأشخاص الذين ما زالوا في مراحل متخلّفة فكريًّا ونفسيًّا، ولا يملكون الجرأة أو المعرفة للتحرّر من قيودها.
هؤلاء الناس، مثل القطيع، لا يمكن أن يُطلب منهم أكثر مما هم عليه، ويجب أن نتعامل معهم بواقعية.

أما شيوخ الأديان، فهم يعيشون على حساب أتباعهم، وتستمر حياتهم بفضل هؤلاء المتابعين الذين لا يستطيعون العيش بدون الدين.

 

Pin It on Pinterest