Contents
رهان باسكال
لدي قناعة تامة بأنه حتى لو كان الله موجودًا، فلا يمكن أن يكون كما تصفه الأديان. من الناحية الرياضية، تم إثبات أن الإيمان بوجود إله أكثر منطقية من عدم الإيمان به. كيف تم ذلك؟ يعتمد المدافعون عن هذه الفكرة على ما يُعرف بـ “رهان باسكال“.
رهان باسكال: معادلة الربح والخسارة
يقول بليز باسكال: لنأخذ أولاً حالة الشخص المؤمن بوجود إله. بعد الموت، سيواجه هذا الشخص حالتين:
- إما أن يكون الله موجودًا، وفي هذه الحالة يكون قد ربح (+1).
- أو أن الله غير موجود، وفي هذه الحالة لم يخسر شيئًا (0).
مجموع النتيجتين يعطينا (+1)، وبالتالي فإن هذا الشخص رابح في كلتا الحالتين. إذن، من الأفضل الإيمان بوجود الله.
أما في الحالة الثانية، إذا كان الشخص غير مؤمن بوجود إله، فبعد الموت سيواجه حالتين أيضًا:
- إما أن يكون الله موجودًا، وفي هذه الحالة يكون قد خسر (-1).
- أو أن الله غير موجود، وفي هذه الحالة لم يربح شيئًا (0).
مجموع النتيجتين يعطينا (-1)، مما يعني أنه يخاطر بخسارة بنسبة 50%.
بناءً على هذه النتائج، فإن الإيمان بالله يبدو الخيار الأكثر أمانًا. تبدو هذه الحجة منطقية وقوية، وقد كنتُ شخصيًا مؤمنًا بها لفترة طويلة دون أن يراودني الشك في وجود الله. لقد وجدت فيها الخلاص المطلق، وأنا متأكد من أن هناك من يراها كحجة دامغة لصالح الإيمان.
ولكن، هل الأمر بهذه البساطة؟
مشكلة اختيار الإله الصحيح
المسألة أعقد بكثير من مجرد عملية حسابية، فهي لا تقتصر فقط على الإيمان أو عدم الإيمان بالله. لو كان الأمر كذلك، لما وجدنا الملحدين يخوضون حربًا فكرية ضد الأديان. لذا، علينا أن نبحث في المسألة بشكل أعمق.
أولًا، لكي تؤمن بالله، عليك أن تختار بين عدة آلهة. يمكنك الإيمان بالإله المسيحي، أو اليهودي، أو الهندوسي، إلخ. ثم هناك مسألة الإيمان بناءً على الوراثة، حيث يتبع الشخص دين والديه، أو الإيمان المكتسب عن قناعة شخصية خلال الحياة. لنواصل تحليلنا باستخدام المنهجية الرياضية.
هل يمكن اختيار الإله الصحيح؟
افترض أن لدينا 5 أديان رئيسية، فهذا يعني أن لديك فرصة 1 من 5 لاختيار الإله “الصحيح”، مما يترك لك احتمال 4 من 5 أن تكون في نفس موقف الملحد. وبالتالي، فإن المؤمن يواجه مخاطرة أكبر من الملحد، لأنه قد يكون يؤمن بالإله الخطأ.
لكن لا يكفي الإيمان بالإله الصحيح، بل يجب أيضًا اختيار النبي الصحيح والكتاب المقدس الصحيح، وكذلك الطائفة الصحيحة، حيث تنقسم كل ديانة إلى عدة طوائف تختلف في تفسيرها للنصوص المقدسة.
ماذا عن الطائفة الصحيحة؟
لنفترض أن كل دين ينقسم إلى 5 طوائف رئيسية، وهذا رقم متواضع، إذ أن بعض الأديان لديها عشرات الطوائف. كل طائفة تدعي أنها وحدها تمتلك الحقيقة المطلقة، مما يزيد من احتمال الخطأ، لأنه عليك، بعد اختيار الدين، أن تختار أيضًا الطائفة الصحيحة.
إذا جمعنا الاحتمالين، فستكون لديك فرصة 1 من 25 لاختيار الإيمان “الصحيح”. وحتى إذا كنت محظوظًا ووقعت على الاختيار الصحيح، فإن المسألة لا تنتهي هنا، لأن المؤمن الحقيقي يجب أن يكون أيضًا ملتزمًا بالممارسة الدينية، وإلا فإنه يكون منافقًا، وهو ما تدينه جميع الأديان بشدة.
في الواقع، المنافق يُعتبر أشد خطورة من غير المؤمن، لأنه يعلم الحقيقة لكنه لا يطبقها. وبالتالي، فإن عقوبته تكون مضاعفة. كما أن الالتزام الديني ليس بالأمر السهل، إذ يتطلب التضحية بالحياة الدنيوية، حيث يعتبرها المؤمن مجرد معبر نحو الحياة الأبدية.
ماذا لو كان كل ذلك خطأ؟
المؤمن الذي يملك فرصة واحدة من 25 ليكون على الطريق الصحيح عليه أيضًا أن يضحي بحياته بالكامل في سبيل الله من خلال الصلوات والالتزامات، وقد يصل الأمر إلى حد الاستشهاد في سبيله.
لكن ماذا لو مات هذا الشخص ولم يجد الإله الذي آمن به طوال حياته؟ كيف يمكن القول إنه لم يخسر شيئًا؟ في الواقع، لقد خسر حياته بالكامل! وعلى العكس، الملحد، إذا وجد أن الله موجود، سيخسر فقط بنسبة 50%، بينما المؤمن الذي اتبع الدين الخطأ سيخسر بنسبة 100%.
إعادة تقييم الرهان باستخدام متغير الحياة
دعونا نعيد حساباتنا بإضافة عامل الحياة، ونقارن بين حالتين:
حالة المؤمن الذي اختار الدين والطائفة الصحيحة وكان ممارسًا:
- إذا كان الله موجودًا: فقد خسر حياته (-1)، لكنه ربح بعد الموت (+1). النتيجة النهائية: (0).
- إذا كان الله غير موجود: فقد خسر حياته (-1)، ولم يربح شيئًا بعد الموت (0). النتيجة النهائية: (-1).
المجموع الإجمالي: (-1).
حالة الملحد:
- إذا كان الله موجودًا: فقد استمتع بحياته (+1)، وبعد الموت سيكون في وضع لا يختلف عن المؤمن الذي اختار الدين الخطأ أو لم يكن ملتزمًا دينيًا، أي (-1). النتيجة النهائية: (0).
- إذا كان الله غير موجود: فقد استمتع بحياته (+1)، ولم يخسر شيئًا بعد الموت (0). النتيجة النهائية: (+1).
المجموع الإجمالي: (+1).
النتيجة؟
وفقًا لهذا التحليل، فإن الملحد هو الرابح الأكبر. وهذا منطقي جدًا، لأن علينا إضافة متغيرات أخرى لهذه المعادلة، وأهمها الحياة الواقعية التي يجب أن نعيشها قبل التفكير في أي شيء آخر.
هذه المرة، الملحد ليس فقط الفائز، بل إنه فاز حتى قبل المؤمن الصادق الذي ضحى بحياته من أجل إله. كما أن الملحد عاش حياته بحرية واستمتع بكل متعها، واعتمد على نفسه بدلًا من أن يعتمد على إله غير مؤكد الوجود.
الخاتمة
لا يوجد إله ديمقراطي يمنحنا الحرية الحقيقية، حتى حرية الإيمان أو عدم الإيمان به، دون أن يثقلنا بالصلاة والواجبات الدينية التي تخالف طبيعتنا البشرية. الإله الذي يفرض قوانين قاسية ويعاقب بعقوبات وحشية مثل الجحيم، لا يمكن أن يكون كيانًا عليمًا وحكيمًا.
إذا كان هناك إله يستحق أن يُعبد، فهو الإله الذي يمنحنا الحرية الكاملة في أن نؤمن به أو لا نؤمن، دون أن يفرض علينا الطقوس والقيود.
ملاحظة
إذا قال لك رئيس: “أنت حر في أن تختارني رئيسًا، وأنت حر في أن تحبني أو لا، لكن من لا يصوت لي أو لا يحبني سيتم سجنه وتعذيبه.”
فهل منحك هذا الرئيس الحرية حقًا؟ إن قلت نعم، كيف؟
والآن، قارن هذا بإلهك!
يمكنك القراءة أيضًا : نقد النقد بين النقد والانتقاد