يَا أُخْتَ هَارُونَ في القرآن
نستمر في التّلاعب بالقرآن و نقول أن القرآن يعجّ بالمعجزات ، مع أنّنا نعلم أنه بتسليح أنفسنا بالحد الأدنى من الانفتاح الذّهني والإحساس النقدي نرى أنّها معجزات مفبركة تفتقد كل إعجاز، كما ندرك أنّها صُوّرت لتخدع أصحاب العقول البسيطة و تجعلهم يعتقدون أن القرآن إلهي و أن كل ما فيه جيدٌ وجميل.
بدأ عدد الناس المشكّكين في هذه المعجزات يتزايد لحسن الحظ و ازداد وضوحاً مدى تناقض النّصوص القرآنية ،فالعلم موجود لإثبات ذلك.
دعونا نلقي نظرةً على الأخطاء المنتشرة في جميع جوانب القرآن.
عند ترجمة القرآن الكريم إلى الفرنسية أو أي لغة أخرى ، نسعى إلى إخفاء الأخطاء والتّناقضات الّتي يحتويها ، ولكن ، كما يقول المثل التّونسي: “من يسرق يسود على من يختبئ “و ما عليك إلّا أن ترفض الخضوع الأعمى و تجنّب تقديس هذا الّدين حتى تتمكن من اكتشاف الأخطاء في ما يسمى بالنّصوص” المقدسة “. إنّ القرآن باللّغة العربية يحتوي على أخطاء أكثر وضوحاً من الإصدار بلغاتٍ مختلفة أخرى ، فمن السّهل أن نفهم أنّ الكلمات يمكن تفسيرها بسهولة في اتجاه أو آخر لجعلها تتوافق مع فكرةٍ ثابتة مقدماً . لسوء الحظ ، لكي تكون مدركًا للتّلاعب ، يجب أن تكون على درايةٍ جيدة بكلٍ من اللّغة العربية والقرآن نفسه. قد لا يرَ المسلم الأساسي الظّاهر من الآية ، لكنّ العلماء يعلمون و يدرسون الأخطاء والتّناقضات بهدف إخفائها عن الناس ،كما و سعى العلماء منذ ظهور القرآن قبل 1400 سنة لتصحيح هذه المفاهيم الخاطئة والمفارقات التّاريخية من خلال عدّة طرق شديدة المكر ؛ كاختطاف معاني الكلمات ، إدراج الكلمات العربية و إنشاء قواعد تتكيف مع القرآن وحده ،كما نلاحظ أن اللّغة العربية تم تطويرها لكي تتوافق منه و ليس العكس.
لكن اليوم لم يعد بالأمس ، ولم يعد يمر هذا النوع من الممارسات دونما ملاحظةٍ ، و أصبح من الصّعب للغاية تعديل النّسخة الأخيرة المنتشرة في العالم الإسلامي والّتي طُبعت عام 1932. فعلى سبيل المثال هناك فرقٌ واضح بين نسخة ورش ونسخة حفص رغم أنّها تبدو بسيطة في الظّاهر إلّا أنّها كبيرة للعالِم باللّغة العربية وعلوم القرآن.
نجد في السّورة التّاسعة عشر (مريم) ، الآية 28: “يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا”. هارون المذكور هنا ليس شقيق مريم ، أم عيسى ، بل هو أخ موسى ومريم. هذه آية تؤكد: “سَلَامٌ عَلَىٰ مُوسَىٰ وهارون” (السّورة 37 الصافات ، الآية 120).
هنا يخلط القرآن بوضوح بين مريم والدة عيسى ومريم أخت موسى و هارون ،فكما يعلم الجّميع أنّ مريم أم عيسى لم يكن لديها أخٌ باسم هارون. وهذا مجرد مثالٌ واحد من بين العديد يسهل تمييزه باللّغة العربية أو الفرنسية أو أي لغةٍ أخرى عند الترجمة. العلماء طبعاً على علم بهذا الخطأ الذي يُعتبر مفارقةً تاريخية ، لكنّهم يسعون للتّحايل عليه بادعاء أن هارون الّذي ذكره القرآن هنا هو هارونٌ آخر و ليس هارون شقيق موسى.علماً أنه واضح و متفق عليه أن مريم أم عيسى لم يكن لها أخ اسمه هارون و أنّ الأخ الوحيد لمريم أم عيسى والّتي لها علاقة به هو يحيى ، و في الواقع لم يكن يحيى أخاها بالدم، و إنّما تربّيا معاً عندما عُهدت مريم إلى زكاريا والد يحيى الذي اعتنى بها.
تخبرنا الآية 7 من سورة آل عمران عن هذا الموضوع: ” فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ”، توضّح هذه الآية أن زكريا أبو يحيى قد كفل مريم أم عيسى و ربّاها و أنّ أخوها الوحيد بالتّربية هو يحيى وليس شخصاً آخر و كان من الأجدر للقرآن أن يقول :” يَا أُخْتَ يحيى مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا”
كما نرى ، كل الوسائل المستعملة لإخفاء هذه الأخطاء الخطيرة عن عامة المسلمين و مثل هذه التزييفات كانت من مهمّات العلماء لقرون مع أمورٍ أخرى يتم تدريبهم عليها.
إذن هل الكلمة إلهية أم اختراع بشري؟
دعونا نطلع على التّفسير التّالي لهذه الآية:
تقدم ابن جابرو حدّثنا بشر ، قال :” ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا ) قال : كانت من أهل بيت يعرفون بالصّلاح ، ولا يعرفون بالفساد ومن الناس من يعرفون بالصّلاح ويتوالدون به ، وآخرون يعرفون بالفساد ويتوالدون به ، وكان هارون مصلحاً محبباً في عشيرته ، وليس بهارون أخي موسى ، ولكنّه هارونٌ آخر . قال : وذكر لنا أنّه شيّع جنازته يوم مات أربعون ألفاً ، كلهم يسمون هارون من بني إسرائيل . ” ” حدّثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله ( يا أخت هارون ) قال : كان رجلاً صالحاً في بني إسرائيل يسمى هارون ، فشبهوها به ، فقالوا : يا شبيهة هارون في الصّلاح .”
كما يقول آخرون أن مريم كانت تسمى “أخت هارون” لأنها كانت منحدرة من نسل هارون شقيق موسى.
لا يوجد شيء منطقي في هذا الشّأن. بالإضافة لذلك فإنّ هذه التّفسيرات تُسمى “أحد” أي أنّه تم الإبلاغ عنها من قبل شخصٍ واحد. علاوة على ذلك ، لا يوجد مصدرٌ تاريخي يتحدّث عن هذه الحقيقة ، كما أنّ مريم لم تعرف الرّجال قط -على الأقل وفقًا للإسلام – فكيف يكون لها أخٌ أو حتى صديق؟ و إذا قبلنا بأن ما يقولونه صحيح وأنّ الجميع كانوا يُنادَون باسم هارون في تلك الأوقات البعيدة من حول مريم ، فإنه لا يثبت أنها فركت الكتفين مع أحدهم.
يقول آخرون أنّه في الواقع لم يكن لدى ماري أخ ، و لكن عند العرب يمكن لأي شخصٍ استخدام مصطلح “أخ” – أو “أخت” ” وهذا لا يعني أن الشّخص من نفس الأب و / أو نفس الأم” ، فعند العرب (و الشّمال إفريقيين) ، قد يكون “الأخ” ببساطة ابن عمٍ قريبٌ أو بعيد. لكن حتّى إذا كان هناك شخصٌ اسمه هارون ويشتهر بتقواه ، وينتمي إلى قبيلة مريم لكن المصادر لم تذكر شخصاً باسم هارون في عهد مريم ولم تقل لنا أن لها صديقٌ أو أخٌ باسم هارون.
و مع ذلك و إذا اتفقنا أن “أخ” يقصد بها شخصٌ قريب جدًا و مألوف ، إلّا أنّنا نعلم جميعًا أن مريم قضت وقتها في التّأمل في محراب زكاريا ولم تستقبل أي شخص ، لا سيما الرجال. في ظل هذه الظّروف ، من أين يأتي هذا “الأخ”؟ حتى لو كان رجلًا تقيًا كما تدعي بعض الفسيرات ، و لماذا لم يذكره التاريخ الدّيني ؟ كما يُلاحظ من ناحيةٍ أن بقية الآية تؤكد فرضيّة الأخ بدم مريم لأنها تذكر والديه. منطقياً ، إذا قال أحدهم: “يا أخت ، كان والدك … وأمك …” في هذا السّياق يكون الأخ بالدّم ولا أحد آخر، لأن الآية واضحةٌ و تتكلم عن أخ مريم ثم ذكر أبيهما و أمّهما فكيف ذلك؟.
و لماذا لم يقل القرآن: “يا مريم ..”؟
ويقال أن هذا الخطأ قد وقع في زمن عثمان (الخليفة الثّالث) وأنه ، مثل كثيرين آخرين ، لم يتم تصحيحه فيما بعد.
لذلك ، يجب اعتبار القرآن ، مثل الكتب المقدسة الأخرى ، عملًا أسطوريًا. خاصة وأن القوانين الّتي تعود إلى القرن السّابع عفا عليها الزّمن تماماً .
بالنسبة لي ، أقترح ببساطة وضعها في المتحف كتراث إنساني. إنه المكان الوحيد الّذي يستحقه ، والمكان الوحيد الّذي يمكن أن يذكر للعالم و الإنسانية جلافة هذه الكتب كالقرآن والتّوراة. أما الآيات الرّقيقة فهي انعكاس لحكمة بعض مفكري ذلك الزّمن . ولكي نكون على درايةٍ بكليهما ، لا نحتاج إلى القرآن ولا أي كتاب آخر يعلن “مقدسًا” يكفي أن يكون الإنسان هو المقدس الوحيد.
0 تعليق