وهم الإله

انبهاري بفكرة الإله المثّالي الّذي فوق كلّ شيء دفعني أن أقترب منه و أن أتشبه به قدر الإمكان.حاولت التّعرف عليه من خلال الخطاب الدّيني التّقليدي، ثمّ توجّهت نحو الفكر الباطني و الصّوفي للطّبيعة الإلهية الّذي يتجاوز المظهر الخارجي الدّيني.

أدركت أنّ ما يعتقده الصّوفيون بأنّه الطّبيعة الإلهية ما هي سوى الطّبيعة البشريّة بأعلى مستواها . ما كان يجب أن يكون إلهًا ما هو في الحقيقة إلّا الإنسان المثّالي الّذي لم يظهر بعد ، و الذي من خلاله نتحرّر من قيود المّادة لنتعرّف على الطّبيعة البشريّة اللّانهائية الأوليّة .
لا تتصوّر مدى خيبة أملي بعد هذا الاكتشاف الذي حاولت رفض الاعتراف به أثناء محاولتي بالذّهاب إلى أبعد من ذلك في البحث عن الطّبيعة الإلهية دون نجاح. هكذا ، أدركت فجأةً أن فكرة الله هي فكرةٌ إنسانية بحتة ، نتيجة سوء تفسير السّراب المنبثق عن الطّبيعة البشرية ، و التي ليست سوى ظلّ هذه الأخيرة.

وهم الإله class=
وهم الإله

عبر تاريخ البشرية ، نسبنا كل ما ينبثق من المادة على أساس أنّه أمرٌ عظيم و ذو طبيعةٍ إلهية وهذا بسبب جهلنا. فتصورنا أن الشئ الغريب الّذي يصدر منا هو الله هو في الحقيقة ليس سوى نتيجةٍ للوجود المادّي البشري، مثل الظّل الّذي يظهر من المادة.

تخيّل أن العديد من القوافل تضيع في الصّحراء ، كل واحدة منهم كان تبحث عن شيءٍ مختلفٍ عن الأخرى و هكذا . إحداها تأمل أن تجد الماء لدرجة أصبحت تتخيل السّراب و كأنّه بركة ماء ، تتقدم نحوه ، حتى تنجو من الموت ، ففكرة تصور السّراب على أنّه ماء كانت أملاً ساعدها على البقاء لحين أن تجد حلّاً لتجوالها .

قافلة أخرى ، كانت تبحث عن الظّلال لحماية نفسها من حرارة الشّمس ، رأت في السّراب واحةً و ذهبت تتجه نحوها. لذا كان الأمل في الوصول إلى هذه الواحة هو الذي ساعدها على تحمّل حرارة شمس الصحراء ،حتى حلول اللّيل و تنقذ من موتٍ معين.

قافلة أخرى ، كانت بحاجةٍ إلى مساعدة فرأت في السّراب قافلةّ فاتجهت نحوها إلى أن تجد حلًا لمشكلتها ، أو حتى أنها ربّما تقابل في الواقع قافلةً تجلب لها المساعدة.

يشرح لنا هذا المثال بوضوحٍ الرؤى المختلفة للطّبيعة الإلهية من قبل الإنسان ، لأنّ هذه الرؤية تنبثق من سرابٍ يفسرها المرء بشكلٍ مختلف وفقًا للحاجة البشريّة في ذلك الوقت ، و ذلك حتّى تمكنت البشريّة من الوصول إلى الوقت الحاضر والهروب من انقراض أنواعها بفضل الأمل . و بعبارة أخرى ، كانت رؤية الله في هذا السّراب هي الّتي أنقذت البشرية من الاختفاء النّهائي بسبب ضعفه أمام الطّبيعة، و الّتي سمحت لها بالوصول إلى مستوى يسمح لها بفهم حقيقة هذه السّراب. حقيقة الله إذاً ما هي إلّا فكرةٌ بشرية في حالة ضعفٍ بشري. لنفترض أن القوافل المختلفة استمرت في الاعتقاد بأن السّراب هو ماء أو واحة أو قافلة حتى بعد إنقاذها من الموت ، ألن يكون هذا الموقف وهميًا وغير واقعي و خطير؟ و هكذا فإن ما كان مفيدًا في الماضي يُصبح معرقلاً في الحاضر و خاصّة في المستقبل.
بالمثل لفكرة الله الذي كان أملًا منقذًا في الماضي الإنساني ، والذي أصبح عائقًا إذا استمر الإنسان في الاعتقاد بأن هذه الفكرة حقيقة. بقدر ما كانت هذه الفكرة مفيدة وإيجابية في الماضي البشري ، أصبحت أيضًا سلبية وعائقًا لتقدم الإنسان. في الواقع إنّ الفكرة في حد ذاتها محايدة ، كل هذا يتوقف على متى و كيف و لماذا يتم استخدامها لأنها اختراعٌ بشري خالص ليس لها وجودٌ حقيقي . الوجود الإلهي يكمن فقط في الخيال البشري بسبب الأمل الذي يمثله ، و الّذي برر رسائل الأنبياء بظهور الأديان.

نستنتج إذاً أنّ فكرة الله ليست سوى السّراب المنبثق من المادة الذي وضعناه كمقدمة لظهور الوجود ، و اعتبرناه الخالق و القوة التي نتبعها جاعلين من الإنسان درجةً ثانية. لكن بعد اكتشاف هذه الحقيقة ، وضعنا الانسان في القمّة ، و الطبيعية التي نسميها إلهية هي طبيعة الإنسان الخارق أو السّوبرمان . وهكذا ، ما كان من المفترض أن يكون إلهًا لم يظهر بعد ، ولكن قد يظهر بشكلٍ جيّد جدًا في المستقبل اعتمادًا على إرادة الإنسان. لذا فإن أصل الله هو الإنسان الذي يحلم بتحقيق هذه الفكرة الإلهية ذات يوم.

أعلم أن كلّ فكرة تتخطى العقل البشري يتم تسجيلها تلقائيًا داخل كون الوجود حتى يأتي اليوم الّذي يطبقها الإنسان . كل فكرةٍ يتمّ التّعبير عنها تُسجل تلقائيًا في عالم الوجود حتّى يأتي اليوم الّذي يدونها الإنسان. كلّ فكرةٍ مكتوبة تعبُر العقل البشري مرة أخرى من أجل استخراج أفكارٍ جديدة منه ، وهذه هي الطّريقة الّتي بها تمكّن البشر من التّقدم طوال تاريخهم .

بدايةً كنت أود أن أبدأ منها ، و نهايةً كنت أود الوصول إليها ، موضوعٌ كنت أود أن أقترب منه ، و هو موضوع البشريّة بشكلٍ عام ، و موضوع الإنسان في مصطلح دقيق لأنّه جوهر كون الوجود و سبب وجوده. إنها حقيقةٌ شعر بها القدماء ، و يفهمها الإنسان الحالي والتي سيؤكدها المستقبل البشري ، جيلًا بعد جيل.

اكتب حتى تعرف عزيزي القارئ . تعرف كيف تفكر ، تفكّر حتى تكتب. انتهى وقت الكلام ، قصص الأساطير ، الوحي ، الأنبياء و القصص الإلهيّة . لقد حان الوقت للقصص البشريّة ، للكتابة ، للتّفكير ، للتّحليل ، للحقيقة الواضحة. يجب أن أذكرك أنّه من الصّوت ظهرت الكلمة ، و من النقطة ظهرت الكتابة ، هذه هي الطّريقة الّتي نذهب بها نحو قمّة البشريّة ، نحو الإنسان الخارق ، نحو مطلقٍ لانهائي حيث نتقدم إلى ما لا نهاية.

ألف سؤال يعبر العقل البشري ، ولكن هل هناك إجابة لكل سؤال من هذه الأسئلة؟ ليس مؤكداً ، و لكنّ المؤكّد أن كلّ إجابة لديها سؤال. ما يمكن أن نقوله هو أنه لكل سؤال هناك ألف إجابةٍ ، أكثر أو أقل صحّة ، اعتمادًا على ما نبحث عنه من خلال السّؤال و هذه خاصيّة الإنسان الّذي يتساءل باستمرار عن كل شيء و لا شيء دون أن يصل إلى نهاية ألمه . إلى جانب ذلك ، كان يتبع شعور عدم القدرة على الإجابة على أسئلة معينة : مثل من أين أتيت ؟ من أنا ؟ أومن الآخر ؟ أو إلى أين أنا ذاهب؟ فكرة الله من أجل الهروب من مسؤولياته و وضع كل شيءٍ على ظهر الطّبيعة الإلهية. في الواقع ، تحلّ فكرة الله العديد من المشاكل الّتي كان البشر يجدون صعوبةً في حلها في الماضي. ولكن إذا كان الله هو حل ، فهل يمكنه الاستمرار في اللّعبة هذه حتى اليوم؟

إذا كان الله هو الجّواب على كل أسئلة النّظام الوجودي ، التي عذّبت النّفس البشريّة في الماضي ، فإنّه لم يعد قادرًا على إرضاء الإنسان الحديث الذي يحتاجها مرة أخرى وفقًا لدرجة تطور عقله.
يجب أن تتساءل لماذا يجب أن ننفصل عن فكرة الله؟ لماذا أحاول محاربة فكرة لا تزال توفّر لحد اليوم ارتياحاً لما يقرب من 90٪ من البشرية بشكلٍ مباشر أو غير مباشر؟
شخصياً ليس لدي أي شيءٍ ضدّ فكرة الله في حد ذاتها ، لا يهمني اليوم أنّها موجودةٌ بالفعل أم لا ، أعتقد أنّني قد تجاوزت هذه المرحلة . في الواقع لقد رأيت التّأثير السّلبي لهذه الفكرة على البشريّة لدرجة أشعر بها بأنني مضطرٌ للاعتقاد أنّه حتى لو كان الله موجودًا يجب علينا انكار وجوده ويجب أن أدعو إلى عدم الوجود الإلهي . إنّه فكرةٌ يجب على البشريّة أن تتجاوزها للتّخلص من التّأثير السّلبي الذي أحدثتها هذه الفكرة ؛ أي يجب تُفطم الانسانية من فكرة الله مثل فطم الرّضيع عن الرّضاعة لكي يكبر .

التّأثير السّلبي الأول الّذي خلقته هذه الفكرة هو عدم وجود طموحٍ بشري للتّغلب على الوقت ، و السّقوط في المشاعر لا المسؤولية من خلال الإشارة باستمرار إلى إله يحل كل المشاكل . حتى لو كان الله موجودًا ، يجب عليه أن يرسل رسلًا للتّبليغ بعدم وجوده ، حتى تتمكّن البشريّة من مواجهة مصيرها لوحدها دون الاتكال عليه . على سبيل المثال ، للتغلب على الموت ، بدلاً من الاستمرار في الاعتقاد بوجود حياةٍ أخرى ،و أنّ الله هو الذي يحي و يميت، لتطمئن أنفسهم و يتجنبون الاعتراف بالحقيقة المحزنة لنهاية كل شيءٍ بالموت. يجب أن نتوقف عن غرس رؤوسنا في الرّمل مثل النعامة و نؤمن بما يناسب تطوّرنا و نحل المشكلة من جذورها.

إذا كانت الكتابة مهمةً لنقل المعرفة ، فإنّ القراءة أهم لتطور المعرفة ، و هذا هو السّبب في أنّ القراءة بدون تفكير مضيعةٌ للوقت. لهذا على الكاتب أن يكتب ما يفكر ، بينما يقرأ القارئ لكي يفكر . الأفكار تولد و تعيش و تموت مثل أي شيءٍ آخر موجود . إن فكرة الله بعد أن عاشت حياةّ طويلة من الواجب أن تختفي و تموت تاركةً المجال للفكرة الجديدة الّتي وُلدت من أجل بلوغ النّضج لتحل محلّ الفكرة القديمة . في الواقع ، فكرة كون الإنسان هو الرّب ، هي الفكرة الجديدة الّتي وُلدت و لا يجب علينا قتلها في الولادة ، فالأفكار تتزوج ، وتتكاثر ، وتتناقض مع بعضها البعض ، تولد ، تنمو ، و تموت . إذا كان الوجود قد ولّد الإنسان ، فإن الأخير هو الذي ولّد الفكرة أو الفعل الذي هو خالقه الوحيد . لذلك إذا كان هناك إله ، لا يمكن أن يكون إلا الإنسان نفسه الّذي هو سرّ وجوهر الوجود ، فهو الأول والأخير ، و الرحيم ، و عليه تنطبق الأسماء 99 الإلهية .
ألم تلاحظ أنّ ما يسمى بالله لم يعد يرسل الأنبياء ، ربما يدرك أنّنا نؤمن به كثيرًا وأنّ عليه أن يأخذ مسافةً صغيرة ليجعنا نطير بأجنحتنا ، هذا على افتراض أنّه موجودٌ بالفعل . على كلّ حال يتوجّب على الإنسانية أن تستعد لتأخذ مصيرها بيدها بعيداً عن وهم الإله أو الرّب

ماسين كيفن العبيدي


Pin It on Pinterest