Contents
وهم الإله
إن انبهاري بفكرة الإله المثالي، الذي يفوق كل شيء، دفعني إلى الاقتراب منه ومحاولة التشبه به قدر الإمكان. سعيتُ للتعرف عليه من خلال الخطاب الديني التقليدي، ثم اتجهتُ إلى الفكر الباطني والصوفي، حيث يتجاوز الإله المظاهر الخارجية ليصل إلى جوهر أسمى.
اكتشاف الحقيقة الصادمة
أدركتُ أن ما يعتقده الصوفيون على أنه “الطبيعة الإلهية” ليس سوى الطبيعة البشرية في أسمى مراحلها. فالإله، الذي كان يجب أن يكون كيانًا متفوقًا، هو في الحقيقة مجرد إنسان مثالي لم يظهر بعد، وهو ما يمثل تحررنا من قيود المادة لاكتشاف طبيعتنا البشرية اللامحدودة.
لكن خيبة أملي كانت عظيمة حين أدركت أن فكرة الله ليست سوى إسقاط بشري، ناتج عن سوء تفسير السراب المنبثق من طبيعتنا البشرية، والذي ليس سوى ظلٍ لها.
وهم الإله عبر التاريخ
عبر تاريخ البشرية، نسبنا كل شيء غير مفهوم أو يفوق إدراكنا إلى قوة إلهية، فقط لأننا لم نكن نملك تفسيرًا علميًا له. لقد كنا نجهل، ولذا تصورنا أن ما هو غامض هو “الله”، بينما هو في الحقيقة نتيجةٌ طبيعية للوجود البشري، مثل الظل الناتج عن المادة.
تخيل قوافل ضائعة في الصحراء، كل منها تبحث عن شيء مختلف.
- إحداها تائهة تبحث عن الماء، لدرجة أنها تتخيل السراب وكأنه بركة ماء، فتسير نحوه معتقدة أنه خلاصها.
- قافلة أخرى تحتاج إلى الظل، فترى في السراب واحةً وتحاول الوصول إليها لتنجو من حرارة الشمس.
- قافلة ثالثة تبحث عن المساعدة، فتظن أن السراب هو قافلة أخرى يمكن أن تمد لها يد العون.
هكذا، يفسر كل شخص السراب بحسب حاجته، تمامًا كما فسّر البشر “الله” عبر التاريخ. الإله كان فكرةً ضرورية لإنقاذ البشرية من الانقراض، وساعدها على الاستمرار عبر خلق الأمل. لكن ما كان ضروريًا في الماضي، أصبح اليوم عائقًا إذا استمر الإنسان في تصديق هذه الفكرة وكأنها حقيقة مطلقة.
الإله كسراب بشري
ما كان أملًا منقذًا للبشرية في الماضي أصبح حاجزًا يمنعنا من التقدم. الله لم يكن إلا فكرة نشأت من الضعف البشري، مثلما كانت القوافل تتخيل السراب كحقيقة، لكنه لم يكن سوى وهم أنقذها في حينه.
لكن لنفترض أن تلك القوافل استمرت في تصديق أن السراب هو ماء حتى بعد وصولها إلى وجهتها، ألن يكون ذلك وهمًا خطيرًا؟ بنفس الطريقة، فكرة الله التي كانت منقذة للإنسان القديم أصبحت معرقلة لتقدمه اليوم، ويجب أن يتحرر منها.
الله كنتاج بشري
نستنتج إذن أن الله ليس سوى انعكاس للإنسان الذي يسعى إلى تحقيق كماله الذاتي. ما كان يُعتقد أنه إله، لم يوجد بعد، بل قد يوجد في المستقبل إذا نجح الإنسان في تحقيق طموحاته العظمى. بمعنى آخر، الله لم يخلق الإنسان، بل الإنسان هو من خلق فكرة الله، وكما خلق الإنسان هذه الفكرة، يمكنه تجاوزها.
كل فكرة تتجاوز الإدراك البشري تُسجل تلقائيًا في وعي الإنسانية، حتى يأتي اليوم الذي يحققها فيه الإنسان.
تمامًا كما كان الطيران حلمًا مستحيلًا في الماضي، لكنه تحقق مع الوقت، فإن فكرة الإله ما هي إلا حلم آخر، قد يتحقق يومًا ما على شكل إنسان متكامل.
نهاية أسطورة الإله
لقد حان الوقت للإنسان أن يتحرر من قصص الأساطير والأنبياء والوحي، وأن ينتقل إلى مرحلة التفكير والتحليل والعقلانية. من الضروري أن يدرك البشر أنهم هم أسياد مصيرهم، وأن يتوقفوا عن انتظار الخلاص من قوى غيبية لا وجود لها.
ألم تلاحظ أن الله لم يعد يرسل أنبياء؟ ربما لأنه يرى أننا نؤمن به أكثر مما ينبغي، فقرر أن يأخذ مسافة، منتظرًا أن نعتمد على أنفسنا. أو ربما لأنه لم يكن موجودًا أصلًا، وكان مجرد فكرة انتشرت في عقول البشر على مدار التاريخ.
لماذا يجب علينا تجاوز فكرة الإله؟
- لأن الإله، كفكرة، يمنع البشر من مواجهة مصيرهم بشجاعة، ويبقيهم في حالة انتظار لحل يأتي من الخارج.
- لأن الاعتقاد بوجود حياة أخرى بعد الموت، يجعل البشر يهربون من مواجهة الحقيقة الصادمة بأن الموت هو النهاية.
- لأن فكرة الله تحرم الإنسان من الطموح، وتجعله يعتقد أن مصيره ليس بين يديه.
إذا كانت فكرة الله قد خَدَمَتْ البشرية في الماضي، فقد آن الأوان للتخلي عنها، مثلما يتخلى الطفل عن لعبته عندما يكبر.
الإنسان هو الإله الحقيقي
إن فكرة أن الإنسان هو الإله، ليست سوى المرحلة التالية لتطور البشرية.
إذا كان هناك إله حقيقي، فهو الإنسان نفسه، بكل قدراته وطموحاته، فهو السرّ الحقيقي للوجود، وهو الخالق الوحيد لمصيره.
الإله الذي خلقه البشر لم يكن سوى انعكاسًا لطموحاتهم وأحلامهم، لكنهم لم يدركوا ذلك.
اليوم، علينا أن نستعد لأخذ مصيرنا بأيدينا، بعيدًا عن وهم الإله، لنرسم مستقبلنا بإرادتنا وحدنا.
يمكنك القراءة أيضًا : هل أنا ملحد أم غنوصي؟