نقد لكتاب “الإله، العلم، والأدلة”: هل للكون خالق؟

يتناول هذا المقال نقدًا لأحد فصول كتاب “الإله، العلم، والأدلة”، حيث يحاول المؤلف إثبات وجود إله عبر ما يسميه “أدلة علمية وفلسفية”. غير أن طرحه يكشف عن خلط واضح بين الخيال والدين، وبين المنهج العلمي القائم على المشاهدة والتجريب.

في بداية الطرح، يقارن الكاتب بين نظريته حول وجود خالق، ونظرية التطور. وهو هنا يضع افتراضًا ميتافيزيقيًا في نفس خانة نظرية مدعومة بأدلة مادية قوية. ففي نظرية التطور، لدينا آثار وفحوصات جيولوجية وبقايا أحفورية وسلاسل زمنية وتحولات جينية ملموسة. بمعنى أن النظرية تتطابق مع الواقع بنسبة كبيرة، ولا تزال في تطور مستمر مع كل اكتشاف علمي جديد.

أما في نظرية الكاتب، فلا نرى سوى افتراضات خيالية لا أساس لها: لا أرواح، لا جن، لا “رقية شرعية”، ولا تنين ذو عيون زرقاء. ومع ذلك، يُعاملها كما لو كانت نظرية علمية لها نفس الوزن.

يضرب الكاتب مثالًا يبدو ساخرًا أكثر مما هو منطقي، فيقول مثلًا: “كل القطط لها شوارب، وهتلر له شارب، إذًا هتلر قط”. ثم يطرح استنتاجه المضحك على أنه مشابه لاكتشاف علمي. لكنه يتجاهل أن صحة جزء من المقدمة لا يجعل النتيجة صحيحة. فصحيح أن القطط لها شوارب، وصحيح أن هتلر له شارب، لكن ليس كل من له شارب قطًا. هذا النوع من التفكير الساذج هو ما يبني عليه الكاتب استنتاجاته الفلسفية حول الكون والخالق.

ثم نصل إلى استنتاجه الكبير: بما أن لديه سبعة “أدلة” — بعضها فلسفي، وبعضها علمي مشوّه، وبعضها خرافي — فإنه يقرر أن الكون ليس ماديًا فقط، بل له خالق. ومن هذا الافتراض، يبني ما يلي:

  1. الكون له بداية ونهاية وهدف، والدليل عنده هو “الموت الحراري للكون”.

  2. لو أن هناك إلهًا، فلا بد أن يكون الكون منظمًا ودقيقًا، لا يخضع للفوضى أو الصدفة.

  3. لو أن هناك إلهًا، فوجود بداية للكون أمر منطقي، لأن “البداية تستدعي مبدعًا”.

  4. المعجزات تصبح ممكنة لأن “الإله قادر على خرق قوانين الكون”.

  5. النبوة والوحي تصبحان ممكنتين، ومعهما تدخل الشياطين والملائكة والأساطير التي سبق أن طرحها.

وبهذا يكون الكاتب قد اختصر كل الفيزياء، وكل الفلسفة، وكل التاريخ البشري في استنتاج طفولي يفتقر إلى أي منهج نقدي أو علمي. يقابل ذلك نظرية التطور التي تتطابق مع الواقع، وتحمل في طياتها مئات التجارب والأدلة والتحليلات المعملية، دون الحاجة إلى ادعاء أو غيبيات.

ثم يختتم الكاتب هذا الفصل بهجوم على العلماء “الماديين”، ويتهمهم بأنهم غير صادقين مع أنفسهم، ويطالبهم بأن يعترفوا بأن الكون ليس له بداية، ولن ينتهي حراريًا، وأنه منظم لأن هناك “عوالم أزلية أخرى”، وأن قوانين الفيزياء تم اختراقها في لحظة ما، وأنه “فلسفيًا لا وجود للأخلاق”، وأن المعجزات والأنبياء والوحي كلها كذب وافتراء.

الكاتب هنا يتقمص دور المعلم الأخلاقي والعقلي للعلماء، ويتخيل أنه في موقع يؤهله لإصدار أحكام معرفية وفلسفية على أشخاص لم يقل أي منهم ما يدّعيه عليهم. من قال أصلًا إن العلماء لا يؤمنون إلا بالمادة؟! وهل نسي أن آينشتاين نفسه قال إن 96% من الكون غير مادي؟

لكن الكاتب لا يهتم بالدقة. هو فقط يريد أن يصل إلى نتيجة مسبقة: أن إلهه، ودينه، ونظرته هم “الحقيقة المطلقة”، وكل من يخالفه إما جاهل أو ضال أو كاذب.

وفي النهاية، من قال إن هذا الكتاب لا يستحق حتى أن يُنتقد كان محقًا. إنه ليس أكثر من منشور مهترئ يكرّس الجهل والسطحية. إنه نص محزن، ليس فقط لأنه سيئ الطرح، بل لأن عددًا من الناس — في مجتمعاتنا تحديدًا — يرونه مصدرًا “للإعجاز العلمي” و”الإثبات العقلي”. في حين أن كل ما فيه لا يرقى حتى لمستوى أطروحة طالب جامعي مبتدئ.

من حسن الحظ أن الأغلبية من العقول المتحررة في الغرب لا تنخدع بهذا الخطاب، وإن وجد بعض المستثنين. لكن المصيبة أن الإعجاب بهذا الكتاب منتشر في أوطاننا بشكل مؤسف، رغم أنه لا يساوي — ببساطة — بصقة.

ماسين كيفن العبيدي

Pin It on Pinterest