من مخلفات الإسلام: رحلة نحو التحرر الحقيقي

مقدمة: لماذا يفشل اللادينيون في تحقيق وجود فاعل؟

تساءلت طويلًا عن أسباب إخفاق اللادينيين في بناء كيان قوي وفاعل يمنحهم قيمتهم الحقيقية كمتحررين من الإسلام، ويجعلهم روادًا في نهضة فكرية وإنسانية حديثة، تواكب الحضارة وتسهم في تطورها العلمي والأخلاقي.

إجاباتي قادتني إلى اللحظة التي قررت فيها إعلان إلحادي، بعد سنوات من البحث والتمحيص في التراث الإسلامي. كانت رحلة طويلة، بدأت من الإسلام السياسي، مرورًا بـ التصوف، ثم الربوبية، وانتهت بالتحرر الكامل من فكرة الإله، والانتقال إلى الإيمان المطلق بالإنسان، بفضائله وعيوبه، وخصوصًا سعيه المستمر نحو الكمال، وهو السعي الذي لا يصل نهايته أبدًا، لأن الكون أزلي ومن يصل ينتهي.

حين أعلنت إلحادي في عام 1998، شعرت بنشوة الحرية المطلقة، وظننت أنني تحررت تمامًا من قيود الإسلام، لكن بعد أقل من سنة، اكتشفت أن الإلحاد وحده لا يكفي للتخلص من الموروثات الثقافية والسلوكية التي غرسها الإسلام في أعماقي منذ الطفولة.

من هنا بدأت رحلة أكثر صعوبة: تحليل العادات والأفكار والسلوكيات التي لا تزال تقيدني رغم إلحادي، محاولًا التخلص من الرواسب التي تثقل جناحيّ وتمنعني من الوصول إلى إنسانيتي الكاملة.


الرواسب الإسلامية التي تمنع التحرر الكامل

بعد سنوات من البحث في أعماقي، أدركت أن هناك سلوكيات ومعتقدات متجذرة في الوعي اللاواعي للكثير من اللادينيين، تجعلهم يسلكون نهجًا مشابهًا للمسلمين دون أن يدركوا ذلك. هذه بعض أهم هذه الرواسب التي يجب التخلص منها لتحقيق التحرر الحقيقي.

1- الهوية القومية المزيفة: “أنا عربي”

كثيرون من أبناء شمال إفريقيا ينسبون أنفسهم إلى القومية العربية، رغم أن أصولهم أمازيغية، أو قبطية، أو كنعانية، أو غيرها.

الإسلام فرض العروبة كهوية سياسية ودينية، لكن الحقيقة التاريخية أن شمال إفريقيا لم يكن عربيًا أبدًا، بل كان مستعمرًا. لذا، الاعتراف بالهوية الأصلية هو أول خطوة للتحرر من الإسلام، لأن الإسلام والعروبة كانا مشروعًا واحدًا لمحو ثقافات الشعوب.

2- كراهية المثليين

لا يزال كثير من اللادينيين يرددون خطاب كراهية المثليين، معتبرين ذلك تأكيدًا لفحولتهم أو انتمائهم للمجتمع التقليدي.

لكن الحقيقة أن رفض المثلية هو إرث ديني متخلف، يتناقض مع العلم وحقوق الإنسان. أي شخص يدّعي التحرر لكنه يعادي المثليين لا يزال يحمل عقليّة دينية حتى لو كان يرفض الإله.

3- نظرية المؤامرة: العالم ضدنا

الإسلاميون يروجون دائمًا لنظرية أن العالم يتآمر ضدهم، ومع الأسف، هذا الفكر لا يزال مترسخًا لدى كثير من اللادينيين، الذين يظنون أن هناك مؤامرة عالمية ضدهم لمنعهم من تحقيق التقدم.

هذا الهوس يعطي قيمة زائفة للذات، لكنه يعوق أي إمكانية للاندماج والمشاركة في بناء الحضارة.

4- كذبة “العمل من الداخل”

الإسلام لم يبدأ كحركة إصلاحية داخلية، بل كان مدعومًا بقوى خارجية وتحالفات.

مع ذلك، تجد اللادينيين يصرون على فكرة “يجب أن نعمل من الداخل”، بينما جميع الحركات الدينية والطائفية تتلقى دعمًا خارجيًا—من الشيعة والسنة إلى المسيحيين واليهود وحتى الشيوعيين والقوميين.

إذن، لماذا يرفض اللادينيون الاستفادة من الدعم الخارجي؟ هل هو جهل؟ أم مجرد نزعة “عنتريّة” لإبقائهم في القاع؟

5- “رضاء الوالدين”: تقديس العائلة الإسلامية

البعض يرفض إعلان إلحاده علنًا إرضاءً للوالدين، لكنه بذلك يرتكب نفاقًا فكريًا.

  • متى أصبح النفاق فضيلة؟
  • متى أصبح الكذب على الأهل احترامًا لهم؟

التحرر الحقيقي يبدأ من تحرير العائلة من الجهل، وتعليمهم كيف يحترمونك كما أنت، لا كما يريدون أن تكون.

6- الغاية تبرر الوسيلة: خداع النفس والآخرين

المسلم يكذب، يلفّق، يزوّر الحقائق، فقط لإثبات أن الإسلام صحيح.

للأسف، بعض اللادينيين يستخدمون نفس الأساليب، فيختلقون القصص وينسجون الأوهام فقط لدعم أفكارهم الخاصة.

هل التحرر الفكري يحتاج إلى أكاذيب؟ أم أن اللاديني الذي لا يزال يمارس التدليس لا يختلف عن المسلم الذي خرج منه؟

7- الفحولة الزائفة: انفصام الرجل اللاديني

بعض اللادينيين يدافعون عن الحرية الجنسية، لكن حين يتعلق الأمر بأخواتهم أو بناتهم، يظهر الرجل الشرقي المحافظ، الذي يريد “الستر والاحترام”.

هذا نفاق اجتماعي وديني متجذر في العقلية الذكورية الإسلامية، ويجب التحرر منه لتحقيق مجتمع صادق وصحي.

8- احتقار العاهرة: بقايا عقدة الطهارة الإسلامية

ما هو العهر؟ هو ممارسة الجنس بمقابل، سواء كان مالًا أو مصلحة أو زواجًا.

لماذا يبيع العامل وقته والكاتب قلمه ولا يُحتقر، بينما تُحتقر العاهرة لأنها تبيع جسدها؟

المجتمعات التي تكون فيها الدعارة مُشرعة ومنظمة هي مجتمعات أكثر سعادة وإنتاجية، سواء للرجل أو المرأة.

9- العداء الأعمى لإسرائيل

كثير من اللادينيين لا يزالون يكررون الخطاب الإسلامي العروبي المعادي لإسرائيل، رغم أنهم يزعمون أنهم تحرروا من الإسلام.

ما الفرق بينك وبين الإسلاميين إن كنت تردد نفس الخطاب القومي الطائفي دون أي تحليل عقلاني للصراع؟

شخصيًا، لدي رأيي الخاص حول إسرائيل، لكنه مبني على النقاش والبحث، وليس على الكراهية التي زرعها فينا الإسلام السياسي.

10- الازدواجية وانفصام الشخصية

أكبر مرض ورثناه من الإسلام هو انفصام الشخصية.

المسلم يُظهر شيئًا ويُخفي آخر، يعيش حياة مزدوجة بين المجتمع والدين.

مع الأسف، كثير من اللادينيين لا يزالون يعانون من نفس المشكلة، يتظاهرون بالتحرر، لكنهم يخفون حقيقتهم بسبب الخوف الاجتماعي أو العادات المتأصلة.


الخاتمة: نحو التحرر الكامل

بعد 17 سنة من الإلحاد، نجحت في التخلص من معظم هذه الرواسب، وأدركت أن تحرري من الإله لم يكن كافيًا، بل كان عليّ أن أتحرر من الثقافة البدوية الإسلامية المتخلفة التي حاولت تشكيل وعيي.

لا أدّعي الكمال، لكنني أسعى للوصول إلى حرية فكرية وإنسانية مطلقة، بعيدًا عن كل التناقضات التي زرعها الإسلام في مجتمعاتنا.

هذا المقال ليس مجرد رأي شخصي، بل هو دعوة لكل اللادينيين لإعادة التفكير في سلوكياتهم، والتخلص من كل رواسب الإسلام الثقافية والنفسية، لأن التحرر الحقيقي لا يتم إلا عبر التطهير العميق للعقل والوجدان.

يمكنك القراءة أيضًاالسلام ضد العنف

Pin It on Pinterest