Contents
ما هو الإيمان؟
هذا سؤال يستحق التفكير والدّقة، لذا دعونا نحاول أن نكون موجزين في تعريفه. الإيمان هو قناعة الإنسان بصحة ما يؤمن به، وهو سمةٌ من سمات الطبيعة البشريّة. يلجأ الإنسان إلى الإيمان ليشعر بالأمان والصفاء، وهو ما يحتاجه ليقترب من حالة التّوازن الأخلاقي والعقلي.
قد تتساءل عزيزي القارئ: بماذا أو بمن يمكن أن نؤمن؟
قبل أن أجيب، يجب أن نقارن بين شخصٍ لديه إيمان ما، وبين شخصٍ ليس لديه أي إيمان، لنجد أنّ حياة المؤمن غالبًا ما تكون أكثر استقرارًا من غيره. إذاً، ليس المهم بماذا أو بمن نؤمن، بل الأهم هو فكرة الإيمان بحد ذاتها، فهي كالنور الذي يبدد الظلمات.
الإيمان ضروري لتوازن الإنسان، وهو ما يرتقي به من مرتبته الحيوانية إلى مرتبته الإنسانية. للوصول إلى المرحلة الإنسانية، كان على البشر أن يتركوا الإيمان يغمر كيانهم، ومن خلال الشعور بوجوده تمكن الإنسان من تجاوز مرحلة الحيوان ليصبح إنسانًا. كان هذا الإيمان هو الدافع الذي حفّزه على المضي قدمًا والتّطور. الإيمان يؤمّن شعورًا بالأمان، ويمنح الإنسان الطمأنينة، ويعطي معنىً لحياته. في جميع الأحوال، الإيمان ليس فقط ميزة، بل هو أصلٌ وجوهرٌ في حياة الإنسان.
إنه يشبه الحب الذي يسمح لنا بالشعور بالآخرين والتفاعل معهم، كما يشبه الحاجة إلى الطعام من أجل البقاء. فالإيمان، مثل الحب، هو حاجة للعيش والاستمرار. لهذا السبب، غالبًا ما نجد أن الشخص المؤمن يعيش حياة أكثر استقرارًا من شخص بلا إيمان.
هل هناك إيمان أفضل من الآخر؟
لا يمكننا تحديد أن نوعًا معينًا من الإيمان أفضل من غيره، لأن المقياس الحقيقي للإيمان هو درجة الإخلاص والصدق. فالسؤال الأهم ليس “بماذا تؤمن؟” بل “هل إيمانك صادق؟”.
هل إيماننا حقيقي أم مجرد تمثيل؟ الإيمان يشبه الحب، عليك أن تؤمن بما تحب أو بمن تحب بصدق وإخلاص قبل كل شيء. لا يجب أن ننسى أن النّفاق هو عدو الإيمان؛ فالكذب على الآخرين أسهل بكثير من الكذب على نفسك، لكن تصديق نفسك فيما تعلم أنه زائف هو أصعب بكثير. باختصار، “الإيمان الحقيقي” هو الإيمان الصادق، أما “الإيمان الباطل” فهو أن تكذب على نفسك وعلى الآخرين.
ما هو معيار الشخص المؤمن؟
كما هو الحال في الحب، لا توجد قواعد أو معايير محددة للإيمان. الإيمان مسألة شخصية وخاصة، لا يمكن للمرء أن يكتسبه بمجرد اتباع أفكار الآخرين أو تقليدهم. هل تعتقد أن جميع الناس يحبون بالطريقة نفسها؟ بالتأكيد لا.
يجب على كل شخص أن يختار، ثم يفهم، وأخيرًا يؤمن. فالإيمان هو مزيج من التجارب الشخصية، وهو ينبع من الداخل ويتجلى من خلال سلوكياتنا. إنه ما يحدد أفعالنا اليومية، ويؤثر على علاقاتنا مع أنفسنا ومع الآخرين ومع العالم من حولنا.
يمكن للإيمان أن يستند إلى أشياء مادية واقعية، أو إلى فرضيات نختبر صحتها بمرور الوقت. فهو يعتمد على كيفية تفكير كل فرد؛ فما قد يكون “واقعًا” بالنسبة لي، قد يكون “خرافة” لغيري، والعكس صحيح. وهذا يؤكد مرة أخرى أن الإيمان هو تجربة شخصية، داخلية، وروحية فريدة لكل فرد.
هل يمكننا تغيير إيماننا؟
لا، إذا قمنا بتغييره لمجرد نزوة أو مجاراة للآخرين، أو فقط لمعارضة المجتمع دون اقتناع داخلي. في هذه الحالة، سنفقد الإيمان الأصلي ولن نحصل على إيمان جديد حقيقي، مما سيخلق تناقضًا داخليًا بين ما نؤمن به في أعماقنا وبين ما نظهره للآخرين. هذا قد يؤدي إلى ازدواجية الشخصية، مما يتسبب في معاناة نفسية ويشكل خسارة فادحة لكل المبادئ والقيم. لذا، من الأفضل أن نحافظ على إيماننا الداخلي، حتى لو كان مختلفًا عن إيمان الآخرين.
نعم، إذا نشأ التغيير بعد تفكير طويل، وبعد مراجعة عقلية ونقدية واعية، بحيث يكون التحول نابعًا من قناعة حقيقية، وليس مجرد استجابة لضغوط خارجية. الإيمان حينها يصبح أكثر نضجًا، وأكثر انسجامًا مع وعينا وفهمنا للحياة.
الإيمان بين الفرد والمجتمع
على الرغم من أن الإيمان تجربة شخصية، إلا أنه لا يمنعنا من مشاركة تجاربنا مع الآخرين. ليس بهدف الإقناع أو الفرض، بل بهدف تبادل الآراء وإثراء النقاش الفكري.
الإيمان مهم للبشر بلا شك، ولكن الأهم من ذلك هو أن يؤمن الإنسان بنفسه. ليس بالضرورة أن يكون الإيمان مرتبطًا بإله، وخاصة الصورة التقليدية التي تقدمها الأديان السماوية.
كن مؤمنًا بإله واحد، أو بإلهين، أو بعدة آلهة، أو لا تؤمن بأي إله على الإطلاق؛ آمن بنفسك، بالإنسانية، أو بأي فكرة تتوافق مع قناعاتك. الأهم ليس بماذا تؤمن، بل أن يكون إيمانك صادقًا ونابعًا من داخلك، وليس مفروضًا عليك من التقاليد أو المجتمع.
يمكنك القراءة أيضًا : خاص: مصري بتهمة الإساءة للدين الإسلامي