ما أهمية المال في الغنوصية؟
جاوبنا في الفيديو السّابق عن السّؤال الأول (هل أعتبر نفسي ملحدا؟) وفي هذا الفيديو سوف نجيب عن سؤال آخر ،ونبدأ بالسؤال الثّاني:يقول Johnny cash:( كان بالإمكان اعمللنا فيديو عن المال في الغنوصية). طبعاً سوف أتكلم عن مفهوم المال والتملك في الغنوصية عندما تحين الفرصة لذلك، ولكن في الانتظار هناك عدّة فيديوهات قام بها شريدي جابرين يتكلّم فيها عن المال والنقود يمكن أن تتطلع عليها في قناته وهي جداً مهمّة ،حيث يتطرّق إلى مسألة المال والنقود والتملك من عدّة جوانب. للعلم إن المال جداً مهم في الغنوصية ،وعندما أقول مال أقصد التّملًك بصفة عامة بما فيه الجسم الذي هو ملك لنا. طبعاً أقصد الجّسم المادّي.
المال يرمز إلى المادة وإلى الإيجابي خلاف ما هو غير مادي وسلبي. هناك الكثير من الأمثلة الشعبية تتحدث عنه وأذكر بعضها (بالمال يمكن أن تعمل طريقاً في البحر). (بالمال يمكن أن تجعل من الذّيل رأس) وهذا يدل على أهمية المال عند البشريّة مثل المثل الآخر الذي يقول أيضاً (تملك قرش تسوى قرش).
ظهور المال وفكرة التملك لم يكن صدفة عند البشرية وله مغازي كثيرة ودوافع كثيرة أدّت إلى ظهوره، رغم أنت فكرة التملك بصفة عامّة نجدها عند الحيوانات أيضاً ،ولكن ليس بنفس الوعي الذي نجده عند الإنسان. ولهذا الأديان والمعتقدات استعملت المال لكي يعبر المنتمي إليها عن إيمانه وصدقه ،وكذلك استعملتها الإيديولوجيات مهما كانت وذلك عن طريق الزّكاة والخُمس والتّبرّع.
إعطاء المال أو ما نملك للآخرين ليس بالأمر السهل ولا بالهيّن، حتّى يُقال أن حتى المجنون لا يرمي المال وحتّى الطفل لا يستهين به ،كما أن تقريباً ليس هناك إنسان لا يفرح عندما يحصل على المال أو الملك مهما كان. فكرة الزهد وعدم الاكتراث بالمال كلام فارغ نخادع به أنفسنا والآخرين لا أكثر ولا أقل. صحيح نجد بعض الأشخاص في الظاهر نجدهم غير مهتمين بالنقود والتملك ونجدهم كثيرين الكرم ولكن كرمهم لا يعني أنهم لا يهتمون بالنقود.
عندما يتبرعون ويعطون الآخرين يكون من انطلاق إيمانهم القوي أن المال الذي يقدموه يجب أن يقدم وفي مكانه، مثلما نجد من يتبرّع إلى بعض الجمعيات الخيرية أو الأعمال الخيريّة أو يساعد الآخرين أو من يصرف على أولاده وعلى أهله ومن يساعد أصدقاءه فهو مؤمن أن ذلك الذي يقدّمه يذهب في الطريق الصحيح. إذاً إعطاؤه للمال لا يعني أنّه لا يهتم به، وإنّما انطلاق من إيمان قوي داخله يدفعه أن يقدم ذلك المال أو ذلك الشيء إلى الآخرين.
إعطاء النقود يصفي النفس ويطورها خاصةً عندما يكون إعطاؤنا للآخرين انطلاقاً من وعي وإيمان بما نقوم به، ومن ليس لديه الرّغبة وتجده بخيل وشحيح على الآخرين وحتى على نفسه هو إنسان فاقد الحس والشّعور. يجب أن تكون لدينا الرّغبة أن نعطي من مالنا وما نملك لكي نطوّر الجّانب الحسّي والشّعوري في أنفسنا.
العطاء المادي هو أكبر دليل تقدّمه للآخرين تثبت به بالفعل أنك تحبّهم وتهتم بهم. الكلام سهل، وعبارات الحب والتّقدير والتّشجيع وغيره من الكلام لا يعبّر عن شيء لو لم يكن مدعوماً بعطاء مادّي فعلي حقيقي سواء عن طريق النقود أو عن طريق الفعل ،لأن الفعل هو أيضاً يُعتبر مال.الإنسان الذي يقول لك أنه يحترمك ويحبك ويقدرك هذا مجرّد كلام لا يمكن أن يثبت لك ذلك إلا بفعلٍ مادّي حقيقي، وإلا كل كلامه مجرد خداع وكذب لا أكثر ولا أقل ،وهذا ينطبق في جميع المجالات. عندما يقول شخص أنّه ينتمي لدينٍ معيّن أو عقيدة معينة أو فكر معين أو حزب سياسي ولا يدعمه فعلياً سواء بالمادة أو بالعمل ،فهو إنسانٌ كاذب و مخادع.
نفس الشيء في العلاقات الاجتماعية عندما أبوك أو أمك أو أخوك أو صديقك يقول لك إنه يحبك ويقدرك ولا يساعدك مادياً وفعلياً حتى عن طريق الهدية أو العطاء فهو كاذب ومخادع. ولهذا عندما تريد أن تعرف إنسان هل هو يحبّك بالفعل أم لا انظر إلى ماذا يقدّم لك. لا أقول لك أن تجرّبه وتطلب منه مالاً ..لا.. ولكن انتبه جيداً لما يقدّم لك من فعله وماله ووقته لأن الوقت أيضاً مال ،ولكن يبقى المال الحقيقي والمساعدة الفعليّة هو الدليل القاطع على أنّه يحبّك ويقدرك ويحترمك. من خلال المال والعطاء يمكن أن نتأكد من صدق الطّرف الآخر في حبّه لنا واحترامه وتقديره ،فمن يبخل عليك ولا يساعدك اعلم أنه لم يصل للمستوى المطلوب الفعلي لكي يحبك بالفعل.
أمّا من يتهرّب ،ومن يجد الأعذار وشكون يعمل روحو ما في بالوش ويشوفك في مشكلة وما يعاونكش وما يساعدكش وعندما تطلب منو حاجة يجدلك ألف عذر، فهذا الإنسان ابتعد عليه لأنه لا يحبّك ويخادعك ويكذب عليك، كما يُقال أيضاً؛ إن بالعطاء والمال والفعل نعرف من هو بالفعل يحبنا. غير ذلك وكل العبارات وكل الشعارات وكل الكلام الجميل ذلك كله حكاية فارغة لا تغني ولا تثمن من جوع ،ولهذا يُعتبر المال جداً مهم لمعرفة الآخرين في جميع المجالات مهما كانت؛ اجتماعية ،سياسية ،دينية ،وغيرها وحتى البيع والشراء.
حيث لا يمكن أن تدفع مالاً لكي تشتري شيئا وأنت غير مقتع أن ذلك الشيء مهم بالنسبة لك وكان شريتو ولقيتو غير مهم سوف تندم على إعطاء ذلك المال ،كما أنك يمكن أن تعطي المال أو تعطي الملك للآخرين ثمّ يتبيّن لك أن ما أعطيته لم يكن في محلّه فتندم على أنك أعطيت ذلك الشيء ،ولهذا يجب أن تنتبه جيداً وتكون واعي جيداً أين تضع مالك ولمن تعطيه ولمن يستحقه كي لا تندم بعد ذلك.
كما قلت أن المال لم يظهر عند البشرية بالصدفة فهو عنصر جداً مهم وأساسي في الحياة البشرية .نعم المال أو الملك جدا مهم في الغنوصية ولكن أهميته في حسن استعماله والوعي بفكرة التّملك والعطاء. موضوع المال في الغنوصية جدا مهم ومفصّل تفصيل كامل سوف أتكلم عنه في يوم من الأيام عندما تسمح الفرصة لذلك ،وفي هذا الفيديو أعطيتك فكرة عامّة عن أهمية المال والتّملك في الغنوصية ،وأختم هذه الفيديو بقصة طريفة تعبّر على فكرة المال والزّهد بالمفهوم الغنوصي:
يُحكى أن شيخاً صوفياً بلغ مرتبةً كبيرة من الزّهد والتّقشّف كتب كتاباً عن الزّهد وكيف وصل إلى أقصى مراتب الزّهد والتّخلي عن الأمور المادية. وهناك في بلادٍ بعيدة شخصٌ ميسور الحال قرأ الكتاب وتأثّر به ،فعمل على أن يصبح زاهداً مثله. فطلّق زوجته، وتبرّع بكل أملاكه حتى لم يبقَ لديه إلّا جلبابه وعصا يتّكئ عليها.
وعندما بلغ تلك الحالة من الزهد والتّقشف قرر أن يسافر لكي يزور ذلك الشيخ الصوفي الذي كتب الكتاب ليرى كيف يعيش ويقارن نفسه بهاذا الشيخ الذي أثر عليه. وبعد سفرٍ طويل وصل إلى المدينة التي يسكن بها ذلك الشيخ فسأل عنه ،فقالوا له أنه يسكن خارج المدينة في قصرٍ ضخم. فتعجّب وتساءل ثمّ ذهب إليه لكي يتأكد من الأمر بنفسه، فوجده يسكن في قصرٍ ولا في الخيال ،تحيط به حديقة كبيرة وحرّاس وخدم وحشم مما زاده تعجباً ،فطلب مقابلته لكي يلومه على نفاقه وكذبه.
فاستقبله عند الغداء على مائدة كبيرة كلها لحوم وغلال وفواكه وخدام ومشروبات وكل ما لذ وطاب. فجاء إليه وأخذ يلومه ويقول له: أنت الذي كتبت كتاباً عن الزّهد وانت تعيش خلاف ما تدعي فما أنت إلا كاذبٌ متحيّل وأنا مثل الغبي صدّقتك واتبعت ما قلت في كتابك حتى لم أعد أملك إلا قميصي هذا وعصاي. فقال له الشيخ الصوفي: هل أنت مستعد أن تخرج معي بعد الغداء لكي نسافر و سوف أفسّر لك وأوضّح لك في الطريق ماذا كنت أقصد بكتاب الزهد الذي كتبت؟
فقال له :نعم. وأخذ يأكل من كل أصناف الأكل بكل شراهة نادماً ندماً كبيراً على كل ما قام به لكي يصل إلى هذه الدّرجة من الزّهد؛ حيث لم يعد يملك شيء تقريباً. بعد الانتهاء من الأكل خرج في سفرٍ هو والشيخ الصوفي الى مكان غير محدد ،وبعد سير يومٍ كامل تفطّن الرجل أنه قد نسي عصاه في قصر الشيخ الصوفي.
فالتفت الرّجل إلى الشيخ الصوفي وقال له: علينا أن نعود إلى القصر ،لقد نسيت عصاي وهي كل ما أملك ولا يمكن أن أستغني عنها. فردّ عليه الشيخ الصوفي وقال له: أنا تركت قصري ومالي وأهلي وخدمي وحشمي وخرجت معك في سفر تاركاً كل ذلك ورائي ،وأنت مجرّد عصا لا تستطيع أن تسمح فيها! الآن فهمت أنك لم تفهم كتابي ولم تفهم معنى الزّهد والتقشف. يا أخي الزهد ليس أن تملك أو لا تملك. الزهد أن تملك الأشياء لا أن تملكك الأشياء. الزهد أن تكون مستعداً في أي لحظة أن تسمح بكل شيء مثلما عندما تموت تترك كل شيء وراءك. هذا هو الزهد الحقيقي.
إذا نفهم من كل ذلك أن المال جداً مهم في الغنوصية ولكن أهميّته ليست أن تملك أو لا تملك وليس أن تعطي أو لا تعطي. الأهم هو الوعي والمعرفة وحسن التّصرف في استعمال ذلك المال والاستعداد في أي لحظة أن تعطيه للآخرين الذين يستحقونه أو تتمتع به أنت طبعاً ولا تحرم نفسك من شيء ،وان تكون أنت رب وسيد مالك أو ما تملك .ليس المال أو الأملاك التي لديك هي التي تتحكّم فيك.
هكذا وصلنا إلى آخر الفيديو أرجو أن أكون قد أجبت ولو قليلاً عن أهميّة المال في الغنوصيّة وسوف أعود إلى ذلك في فيديو مفصّل ،وكما ذكرت لك في أوّل الفيديو يمكن أن تطلع لى الفيديوهات الموجودة في قناة شريدي جبارين حول المال وهم عدة فيديوهات يمكن أن يعطوك فكرة أوضح.
تحياتي لكم جميعاً ومع فيديو قادم حول الإجابة على الأسئلة.
شكراً على الاستماع. شكراً على التّشجيع. شكراً على التّوزيع ،ومع فيديو قادم بالسلامة..
0 تعليق