Contents
حرروا اللغة العربية من أغلال الدين الإسلامي
كثيرون يفتخرون بجمال اللغة العربية وإبداعها في التعبير والكتابة، ويعتقدون أنها لغة مقدسة لأنها “لغة الله ولغة الملائكة ولغة الجنة”. بل يضعها البعض في مرتبة الكمال، وكأنها تتفوق على جميع اللغات الأخرى بلا منازع. هذه الفكرة الخاطئة والخطيرة كانت من ناحية سببًا مباشرًا في تطور اللغة العربية خلال بداية الدعوة الإسلامية، حيث كانت متأخرة مقارنة باللغات الأخرى، وخاصة من الناحية النحوية والكتابية. لكنها من ناحية أخرى، كانت السبب في تجمد اللغة، حيث جعلها سجن المقدس عاجزة عن التطور والتحرر من المصطلحات الدينية التي أصبحت عائقًا أمام التعبير الحر، مما جعل الإسلام يستحوذ عليها ويفرض سيطرته الكاملة عليها.
اللغة العربية قبل الإسلام: لغة الأحرار
إذا عدنا إلى تاريخ ما قبل الإسلام، سنجد أن اللغة العربية كانت لغة الأحرار في الجزيرة العربية، تعبر عن إنسان بسيط يعيش في الصحراء بعيدًا عن تعقيدات الحضارات الأخرى. كانت لغة مرنة ومتنوعة، تعكس مشاعر الإنسان من حب وكره، وحرب وسلم، وغزل وجنس، ونقد وفخر. لم تكن تلتزم بقواعد صارمة، بل كانت تحكمها التناسق الموسيقي وحسن التعبير عما في النفس من خواطر وأفكار، مما جعلها تزدهر في مجال الشعر والقصيدة، رغم تأخرها من الناحية الكتابية والنحوية.
كان المتحدث غير ملزم باتباع قواعد محددة، بل له الحرية في زيادة أو نقصان الكلمات وفقًا لأسلوبه الفطري. وكانت اللهجات العربية متنوعة لدرجة أن بعضها كان يبدو كلغة مختلفة تمامًا. كانت اللغة العربية الأصلية لغة طليقة وحرة، تمنح من يتحدثها مساحة للتعبير العفوي عن ذاته ومجتمعه، بعيدًا عن القيود الدينية والقواعد الجامدة. كانت مثل طائر حر يحلق فوق صحراء قاحلة.
كيف استولى الإسلام على اللغة العربية؟
كانت اللغة العربية قبل الإسلام تفتقر إلى النقاط والتشكيل، وتتكون من 22 حرفًا فقط. كان تعلمها موروثًا لا مفروضًا، حيث يكتسبها العربي من بيئته الطبيعية مثل أي لهجة شعبية، ويستخدمها بحرية دون رقابة أو قيود.
لكن مع ظهور الإسلام، تمت مصادرة اللغة بالكامل، وتم إدخال تغييرات إجبارية عليها لتناسب العقيدة الإسلامية. وهذا حدث في العديد من اللغات التي استولت عليها الأديان والإيديولوجيات الكبرى، مثل اللاتينية التي أصبحت حكرًا على الكنيسة في فترة معينة، لكنها تحررت لاحقًا. بينما بقيت اللغة العربية أسيرة الدين الإسلامي، وظلت مصطلحاتها مقيدة بحدود النصوص الدينية.
في المقابل، تحررت لغات أخرى من سطوة الدين، مثل العبرية، التي كانت في الأصل لغة دينية يهودية، لكنها تطورت لتصبح لغة حديثة لا علاقة لها بالدين، وأصبحت وسيلة للتعبير الحر في الأدب والفكر والعلم. أما اللغة العربية، فقد تم تجميدها داخل إطار الدين، مما أعاق تطورهاوحصرها في الاستخدامات الدينية.
طمس اللهجات وتدمير التنوع اللغوي
بعد استيلاء الإسلام على اللغة العربية، تم تجريدها من حريتها، ومحو كل آثارها السابقة التي لم تتوافق مع الإسلام. حتى الشعر الجاهلي تعرض للتزوير، كما أشار طه حسين في كتابه في الشعر الجاهلي، حيث تم طمس الأدب الجاهلي وتغيير معانيه ليتماشى مع رؤية الإسلام.
كما تم فرض لهجة قريش باعتبارها “اللغة العربية الفصحى”، وأُزيلت كل اللهجات الأخرى، بل تم إجبار الناس على نطق الكلمات كما كان ينطقها محمد، وفهم المصطلحات كما كان يفهمها هو، وكأن اللغة أصبحت نسخة طبق الأصل من أسلوب كلام رجل واحد.
هكذا، تم القضاء على تنوع اللهجات العربية، وتحولت لهجة قريش إلى اللغة الرسمية الوحيدة، وتم فرضها كلغة مقدسة يمنع المساس بها أو تطويرها خارج الإطار الذي حدده الإسلام.
تمرد الشعوب على “اللغة الإسلامية”
لكن رغم هذه القيود، تمردت الشعوب على هذه اللغة المقدسة، وأوجدت لهجات دارجة يستخدمها الناس يوميًا بعيدًا عن اللغة الفصحى الخانقة للحريات. كان تطور اللهجات العامية في البلدان العربية نوعًا من الهروب من اللغة الإسلامية الرسمية.
أيضًا، بدأ بعض المثقفين والكتّاب العصريين في التمرد على القيود الدينية، وكتبوا بهذه اللغة نصوصًا تخالف التعاليم الإسلامية. لكنهم واجهوا صعوبات هائلة في نشر أعمالهم، بل تعرضوا لمضايقات ومحاكمات بتهمة الكفر والخيانة، مما دفع العديد منهم إلى الكتابة بلغات أجنبية هربًا من الرقابة الدينية المفروضة على العربية.
تحرير اللغة العربية أصبح ضرورة
إذا أردنا للغة العربية أن تبقى، يجب أن نحررها من سيطرة الإسلام، وإلا فإن مصيرها سيكون مثل اللاتينية—لغة ميتة لا تُستخدم إلا في نطاق ضيق.
اليوم، نرى المثقفين يهربون من الكتابة بالعربية بسبب قيود الدين عليها، ويختارون التعبير باللغات الأجنبية التي تمنحهم حرية التعبير دون رقابة دينية.
يجب أن يدرك المسلمون أن اللغة العربية ليست ملكًا للإسلام، بل هي وسيلة تواصل إنساني يجب أن تكون مفتوحة للجميع. الإسلام ليس لديه الحق في احتكار اللغة، كما أنه ليس لديه الحق في التدخل في الحياة الشخصية للناس أو فرض وصايته على الفكر والثقافة.
الرسالة الأخيرة: حرروا اللغة العربية من أغلال الإسلام
لقد آن الأوان لتحرير اللغة العربية من هيمنة الإسلام، وجعلها لغة حية ومتطورة مثل باقي لغات العالم. يجب أن نتخلص من القيود الدينية المفروضة عليها، وأن نجعلها لغة حرة للتعبير في جميع المجالات، دون أن تكون حكرًا على النصوص الدينية.
كما يجب أن نكسر الوهم بأن اللغة العربية مقدسة، ونؤكد أنها مجرد لغة بشرية كغيرها، تخضع للتطور والتحديث، ولا يجب أن تكون سجنًا فكريًا يُفرض على الناس.
في النهاية، اللغة العربية ليست ملكًا للإسلام، بل هي ملك للبشرية.
حرروها من أغلال الدين، كما يجب أن نحرر العقل العربي من سجن التخلف والجمود الفكري.
يمكنك القراءة أيضًا : سورة الإنسان