fbpx

الدرس 2: المعلمون القدامى في الغنوصية

المعلمون القدامى في الغنوصية

ينقسم المعلمون في الغنوصية إلى قسمين: المعلمون القدامى والمعلمون الجدد. في هذا الدرس سوف نتكلم عن المعلمين القدامى الذين يتبعون الأسلوب القديم والتقليدي في تعليم الغنوصية إلى التلاميذ الراغبين في التعلم. للعلم أن أسلوب تعليم المعلمين دائما في تطور منذ ظهور الإنسانية على حسب تطور الإنسان و تطور الوعي لديه و خاصة المعارف، ولكن القفزة التي أحدثتها البشرية في القرن الأخير وخاصة بعد سهولة التنقل واستعمال وسائل الاتصال وخاصة الانترنت التي أدخلت المعلمين الغنوصيين في مرحلة جديدة كليّا سوف نتكلم عليها لاحقاً.

  أما في هذا الدرس سوف نقتصر الحديث على المعلمين القدامى الذي يمكن القول أنه لم يعد لهم وجود اليوم ومن شبه المستحيل التعرف عليهم إلا إذا كنا قريبين منهم أو فطنا بهم،  ويمكن القول أن الأسلوب القديم قد مات ولم يعد له اليوم أي أهمية أو تأثير أمام الأسلوب الجديد الذي انتشر في كل العالم.

طبعا لا يمكن القول أن الأسلوب القديم قد انتهى كلياً وإنما هو في حالة اندثار كلي لأننا موجودون منذ قرابة قرن في مرحلة صعود الأسلوب الجديد وموت الأسلوب القديم، وللعلم أن الأسلوب الذي تعلموا عليه هو الاسلوب القديم وهو يحتاج إلى جهد كبير وتضيع للوقت والانعزال كليا بطريقة أننا نخسر سنوات كثيره من حياتنا، ويمكن القول أيضا أن أغلب المعلمين اليوم قد تعلموا على الأسلوب القديم.

قبل أن نتكلم عن هذا الأسلوب علينا أن نسرد التطور الذي حصل من أول البشرية، وهنا أردت أن أقدم ملاحظة مهمة لأعود إليها لاحقاً بشكل مفصل أكثر في الدرس القادم وهي أن؛ ليس كل معلِّم يعلِّم وليس كل معلَّم بالفعل معلَّم، خاصة منذ انتشار الأسلوب الجديد الذي به يسهل خداع الآخرين، لأن الغنوصية هي تجربة شخصية يجب اختبار المعرفة وحسها والوعي بها وعيشها، وألا تُعتبر مجرد معرفة لم تخضع للاختبار الشخصي. إذا من يعلم ولم يعش التجربة شخصياً لا يُعتبر معلماً غنوصياً بل مجرد متحايل ومستغل لجهل الناس بالغنوصية، وهؤلاء من السهل التعرف عليهم بسهولة كما سنرى في الدرس القادم.

إذاً فلنتعرف على تاريخ المعلمين القدامى من أول التّاريخ، فما هو أكيد أن المعلمين ظهروا مع ظهور الكلام فقبل الكلام لم يكن هناك معلمون في الغنوصية، بل كان هناك معلمون في العلوم الخارجية مثل تعليم استعمال اليدين أو الركض أو صنع السلاح وإشعال النار والصيد والمصارعة…   كل هذه العلوم الخارجية بدأ بها الذكر الإنساني الذي علمها للذكر مثله، بينما الإناث كنَّ بعيدات كل البعد عن هذه المعرفة الدنيوية، حيث اكتفين بالعزلة في المغارات مع الأطفال، هذه حقيقة أولية، وهذه حالة كل أنواع الإنسان الماهر قبل الإنسان العاقل.

في هذه المرحلة كانت الغنوصية مسألة شخصية و لم يكن هناك معلمين، حيث كان كل إنسان يفكر و يحس بطريقته الخاصة دون أن تكون له القدرة على أن ينقلها إلى الآخرين،  فالمعرفة الوحيدة التي كان يمكن أن تُنقل هي المعرفة الدنيوية فيما يخص الحياة والتي كانت معرفة كما قلت خاصة بالذكور،  وهنا وصلنا للحقيقة الثانية ؛ أن المعلمين الأوائل لم يعلمهم أحد و قد تعلموا لوحدهم في بداية فجر الإنسانية، حيث المعلومات الخارجية التي تحجب المعرفة الداخلية كانت جداً قليلة في أول ظهور الكلام و التواصل بين البشر أي مع بداية ظهور الإنسان العاقل.

مما لا شك فيه أن كل البشرية اليوم تنحدر من الإنسان العاقل، وكل أنواع البشر الأخرى لم يعد لها وجود إلا في جيناتنا وهذا ثابت علمياً، وما هو أكيد أن الإنسان الذي طور الكلام هو نفسه هذا الإنسان العاقل الذي انحدرت منه كل البشرية الموجودة اليوم فوق هذه الأرض.

كما قلنا بدأ تعليم الغنوصية مع ظهور الكلام والتواصل والذي قام بهذه المهمة سوف لا يُعجب الكثير من الذكور هي الأنثى. نعم الأنثى هي أصل الغنوصية وأول المعلمين الذين عرفتهم البشرية في الغنوصية هم إناث وبالأخص الأم التي علمتها لأطفالها وهؤلاء المعلمين الأوائل لم يعلمهم أحد ولا نعرف عنهم شيء للأسف لأنهم لم يتركوا أثر ولم تكن قد ظهرت الكتابة بعد، ولكنهم موجودون في اللاوعي الإنساني وآثارهم موجودة في أنفسنا وفي داخلنا. هؤلاء المعلمون الأوائل هم في الحقيقة الأمهات اللواتي كُنّ معزولات في المغارات مع أطفالهن الذين هم التلاميذ والذين تعلموا الغنوصية على أيدي أمهاتهم، لكن مع الأسف أمهات اليوم ولا أقول كلهن لا يعلمن أولادهن سوا التبعية والتخلف والجهل.

هذه الحقيقة صدمتني عندما تعرفت عليها لأول مرة من طرف معلميّ عندما قالوا لي أن أول المعلمين هم الأمهات، وفهمت أهمية الأم عند كل إنسان فينا. لكن هل أمهات اليوم يعلمون أولادهن المعرفة؟  للأسف لا، وذلك بسبب التغيير الكبير الذي وقع في التاريخ الإنساني وهو موضوع سنناقشه لاحقاً.

  أما الآن سنتكلم عن أسلوب المعلمين القدامى الذي هو نفس أسلوب الأم لأطفالها.  وللعلم أنها كانت تبارك الذكور قبل الخروج للصيد وكانوا يأخذون بنصيحتها وبما تقوله لهم لأنهم كانوا يعرفون قيمتها، ولكن كل هذا تغير للأسف مع الوقت عندما ظهرت ما يسمى بالحضارة الذكورية وحولت المرأة إلى مجرد عبدة في البيت وتعمل على تربية أولادها ليكونوا عبيداً أيضاً وخاصةً البنات.

إذاً أؤكد أن أول المعلمين هم الأمهات اللواتي علمن رجالهن وأولادهن كيف يكتشفوا أنفسهم ويعرفوا ذواتهم. نعم الأمهات كُن أكبر مدرسة غنوصية وهذا ما سأفصله لاحقاً.

أما الآن سنتكلم عن أسلوب المعلمين القدامى الذي هو نفس أسلوب الأم والتلميذ مثل الابن، فالمعلم مثل أمه، ولكن لا تحسبوني أمكم لأنني أتبع الأسلوب الحديث، وهذا يذكرني بقصة طريقة عن الفرزدق عندما أعجب بغلام في درسه، فأخذ يقترب إليه في الحلقة كل يوم إلى أن جلس بجانبه، وبعد الدرس قال له: هل أعجبك درسي يا بني؟  قال له: اي والله أعجبني، فقال له الفرزدق: هل تريد أن أعطيك دروساً خصوصية؟

قال الغلام: يا ريت، فضمه الفرزدق الى صدره وقال له: أحسبني مثل أباك، فقال الطفل: أما أبي فعندي ولكن يا ليتك كنت أمي، إذ قد فطن التلميذ بنية الفرزدق حيث كما تعلمون أنه كان يحب الغلمان.

كما قلنا أسلوب المعلمين القدامى مثل أسلوب الأم والذي يمر بمراحل ويطول كل العمر إلى موت الأم أو المعلم، حيث كان ارتباط التلميذ بمعلمه يستمر طوال العمر ولا يُعتبر التلميذ معلماً إلا بعد موت معلمه وكما أن للمعلم كتير من التلاميذ، لكن للتلميذ معلم واحد فقط.

من حسن حظي أنني تعلمت عند أربعة معلمين لأنني كنت زمان بدأ فيه هذا الأسلوب بالانحدار والاضمحلال ولكن معلميّ الأربعة كانوا من نفس المدرسة وهذا أيضاً سنعرفه في الدروس القادمة، حيث يجب اتباع مدرسة واحدة وكل المدارس تؤدي إلى نفس النتيجة على حسب اختيارات الشخص وطبيعته والذي يناسبه أكثر.

  إن تغيير المدارس ليس جيد ولا تتعلم شيئاً، فهي مثل الأبواب، كل باب له لون معين ووراء كل باب ممر يجب أن تسير إلى آخره حيث تصل إلى قاعة وكل الممرات توصل إلى نفس هذه القاعة، وعندما تصل للقاعة تكون قد فهمت نفسك وعرفتها.

إذا أسلوب المعلمين القدامى صعب مستصعب كما يقول علي: «إن أمرنا صعب مستصعب”

حيث يمر بمراحل مثلما تمر الأم بمراحل من الحمل إلى الولادة إلى السهر إلى التعب… إلى آخر العمر.

أول هذه المراحل أن تبحث عن المعلم الذي يناسبك. قد تجرب عدة معلمين ولا يناسبك أحد أو لا يقبلك أحد حتى تجد المعلم الذي يناسبك ويقبلك.

ثانياً وبعد أن تجد المعلم الذي يناسبك يجب أن يقبل بك هو كتلميذ. يجب أن يختبرك بألف اختبار وأن يشكّكك فيه وحتى يكرهكُ فيه وقد يطردك ويعاملك بطريقةٍ مهينة جداَ، وقد يجعلك تكرهه كرهاً شديداً.  هذا أسلوب التحقير والذي يطلق عليه ” المحقرانية في معرفة الشخصية ” هو أسلوب المعلمين القدامى حيث يقولون لك أشياءً غير معقولة ويفعلوا أموراً غير مقبولة يجعلك تنفر منه وتهرب.

أكثر المعلمين الذين مارسوا معي هذا الأسلوب هو المعلم في المغرب، حيث بقيت أربعة أشهرٍ وأنا أتعذب بطريقة لا يمكن أن تتصوروها حتى قبل بي كتلميذ في الآخر.

ثالثاً وبعد أن تُقبل كتلميذ يجب أن تبقى مدة طويلة قد تطول العمر كله لا تعرف متى سيسمح لك بالسؤال.  يجب أن تسمع وتطبق وتفعل ما يقول دون نقاش.  حتى وإن قال لك ارمِ نفسك من جبل أو القِ نفسك في النار يجب ألا تعصي له أمراً.

هذه الحكاية تذكرنا بقصة موسى والخضر عندما قال له: لن تستطيع معي صبرا، ومن بعد قال: اتبعني ولا تسأل حتى سؤال، لكن موسى لم يستطع وتم طرده.

إذاً في هذه المرحلة ليس لك الحق بأنه تسأل ولا تقل كيف ولا لماذا ما يقوله لك تفعله حتى تصل إلى المرحلة الرابعة وقبل الأخيرة حيث يسمح لك بالسؤال والفهم وتسأل كما تريد ويرفع الحجاب بينك وبينه وتقوم بينكما ثقة كاملة، وتفهم كل ما يقوم به وكل ما فعل لتصل الى مرحلة المعرفة، وعندما تصل الى هذه المرحلة تنتقل الى المرحلة الخامسة والأخيرة حيث يُخيّرك أن تكون تابعاً له أو أن تذهب في حال سبيلك، ولكن عادةً ما يأخذ عليك عهداً بألا تعلم أي إنسان العلم الذي تعلمته إلا لمن يستحق هذا الشرط الأول، أما الشرط الثاني ألا تعلم الآخرين بالمقابل بل بالمجان.

أما المعلمين الذين عرفتهم أخبروني أن عصر السرية انتهى وهذا العلم سوف يظهر للجميع، ولكن لا يراه ولا يسمعه ولا يفهمه ولا يعيه إلا من يستحقه، فالعلم يحمي نفسه بنفسه.

الشيء الوحيد الذي طلبوه مني هو ألا أعلم هذا العلم بمقابل.

أضن وصلنا الى اخر الفيديو، شكرا لكم على المتابعة، شكرا لكم على الاستماع، شكرا لكم على التوزيع، ومع فيديو قادم ومع السلامة.

ماسين كيفن العبيدي


0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

آخر المقالات …

Pin It on Pinterest

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية ولا تفوت الجديد!