النفس – اللوغوس في المعتقدات
السّلام على من اتبع العقل ونبذ النقل وفكر، عالسلامة
تكلمنا في الفيديو السابق عن العامود الرابع أو النظرية لفهم اللوغوس وهي “الروح”. الروح وما أدراك ما الروح! لو كان الجسم المادي يسمح لنا للوجود في العالم المادي، والنفس تسمح لنا بالوعي والحس والشعور، والعقل يسمح لنا للتّفكير والمقارنة، فالروح هي جواز وجودنا. شيء بلا روح يعني شيء بلا وجود. الوجود بدون الروح سوف يكون العدم؛ أي من لا يملك الروح لا يملك الوجود أصلاً لا في هذا الوجود ولا في غيره. الروح هي مسمار الوجود التي تربط بين كل العناصر التي تجعل الشيء موجوداً.
رغم أنّها ليس من طبيعة الأشياء الموجودة، فهي التي تسمح بلصق الأشياء ببعضها لكي تكون قائمة بذاتها؛ فهي مثل النهر الخالد الذي يسمح للدم أن يجري في العروق دون أن تكون هي العروق أو الدّم، هي مثل النسيم أو الهواء دون أن تكون النسيم أو الهواء. هو نظام الحركة الخفي عن الملموس وعن المحسوس الذي يقابلها في عالم الوجود المادي هي الطاقة، ولكن طاقة غير متحوّلة. فالروح هي نفسها لا تتغير، ثابتة ليس هناك شيء أقل أو أزيد روح من الآخر، ولكن هناك أشياء أكثر تفاعل مع الروح من غيرها، وهذا الذي يجعل الفرق بين الأشياء.
فمن يقول لك تنقصك طاقة روحية أو عندك طاقة روحية قوية فهو إما يكذب أو يقصد تفاعلك مع الطاقة الروحيّة الموجودة فيك. أما من يقول لك أعطيك طاقة روحية أو كيف تقوي الطاقة الروحية فهم الدجالون والمتحيلون الذي يسترزقون من جهل الآخرين؛ مثلهم مثل السحرة والدجالين. رغم أن علم الطاقة الروحي مثله مثل علم السحر، ولكن علم الطاقة يعلمك كيف تتفاعل أكثر مع الطاقة الروحية لا يعطيك طاقة ولا يقوي لك الطاقة ولا ينقص لك الطاقة لأن الطاقة الروحية هي ثابتة مستقرّة كما ذكرت، وموضوع الروح والطاقة الروحية سوف نتكلم عنه في الفيديوهات القادمة. أما في هذه الفيديو سوف نتكلم عن العامود الخامس أو النظرية الخامسة التي هي “النفس” لفهم اللوغوس.
كل عنصر من هذه العناصر الخمسة مهم بحد ذاته، ولكن ينقسمون إلى مجموعتين: المجموعة الأولى- التي نسميها القاعدة هو العنصر الأول والرابع. أما المجموعة الثانية – هي العناصر الأساسية الثلاثة لتركيب الأشياء وهي؛ المادة. العقل. النفس. بدون هذه العناصر الأساسية الثلاثة لا يكون شيء، وهذا الشيء يحتاج إلى قاعدة لكي يكون موجود. والقاعدة تتكون من عنصرين؛ العنصر الأول والعنصر الرابع.
إذاً النظرية الخامسة لفهم اللوغوس هو “النفس الكلية” أو “الوعي الكلي” وأن الوعي الكلي هو أصل كل الوجود. هذه النظرية هي من أوجدت فكرة الرب أو الخالق أو المريد. هذه النظرية تربط اللوغوس بالوعي الكلي الذي أراد فكان، كما يقول القرآن:” يقول للشيء كن فيكون” إذاً اللوغوس هو الوعي الكلي المريد الذي يريد. أمّا قبله نجهل عنه كل شيء ولا يمكن أن نقول قبل الإرادة كانت عدم الإرادة أو اللاإرادة، لأن قبل الإرادة مجهول كليّاً لدينا ونحن ننطلق من اللوغوس الذي هو الإرادة. إذاً هنا اللوغوس هو الوعي الكلي المريد وما قبله نجهله كليّاً.
نحن نعلم في الغنوصية المادة الكلية انتحرت وتركت مكانها لعالم الوجود المادي ولا خيار لها لأن المادة لا يمكن أن تكون في مكانين في نفس الوقت هذا من جهة، ومن جهة أخرى نلاحظ هذا في الوجود من حولنا حيث المادة تتحوّل وتتشكل وتأخذ أشكال مختلفة. إذاً بقاء المادة الأولية كما هي غير وارد في الغنوصية. الانتحار والموت هو الطريق الوحيد لوجود العالم المادي، أما بالنسبة للعقل الكلي الذي فيه ما كان وما يكون وما سوف يكون هو قار وجامد؛ عبارة على كومبيوتر كبير يحتوي كل الأرقام الأزلية، أي ظهور العالم المادي في هذا العقل الكلي لم يؤثر عليه ولم ينقص منه شيء، بل كل العالم المادي ما هو إلا نقطة في بحر العقل الكلي كما يقول القرآن في سورة الكهف:”قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفذ البحر قبل أن تنفذ كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدادا”.
إذاً هنا على حسب الغنوصية العقل الكلي الذي هو اللوغوس هو المدد لهذا الوجود المادي؛ المدد الأزلي الذي لا ينتهي، والاقتراب أو السّمو نحو العقل الكلي هو السمو نحو المعرفة والاحتمالات ،و مهما وصلنا نحن لا شيء أمام هذا العقل الكلي المطلق لم يمت ولن يمت ويبقى دائماً، وهو المصدر وكل ما يقع في عالم الوجود المادي موجود فيه ولا يمثّل شيء بالنسبة للاحتمالات الممكنة أن تقع ،و وصلت الغنوصية لهذه الفكرة من الواقع حيث الفكرة يمكن أن تكون في أكثر من واحد ،و كل إنسان يرى الفكرة بطريقة ،و هذا لا يؤثر على الفكرة الأصلية ،و عامود العقل يعتبر خالد مثل عامود الروح الذي بدوره يعتبر خالداً ومثل العامود الأول المطحنة أو العدم أو الفوضى الذي يعتبر بدوره خالداً. إلى هنا لم نشاهد إلا المادة هي التي تموت والتي تتحوّل. فما رأي الغنوصيّة في مسألة النّفس؟ هل تعتبرها مثل العقل لا تموت؟ أم مثل المادة تموت وتنتحر؟
هنا الغنوصية تعطي مكان خاصة للنفس ونظرة خاصة تجمع بين الموت والخلود في نفس الوقت، ويمكن اعتبار ان الغنوصية هي مسألة نفسية في الدرجة الأولى، فالغنوصية رغم أنها لا تقلل من أهمية الآخرين، ولكن تضع النفس فوق الجميع. النفس والوعي هو أساس وقاعدة الغنوصية، وتعتبر الغنوصية أن النفس هي المفتاح لفهم كل الأمور الأخرى وإن من لا يفهم نفسه لا يمكن أن يفهم أي شيء آخر، ولهذا الغنوصية تعتبر من العلوم النفسية التي تهتم بالوعي لدى الإنسان.
فكرة اللوغوس على أنه “النّفس” أو “الوعي” هي فكرة حديثة ظهرت في المرحلة الأخيرة في عصر العقل أي قبل آلاف السنين وهي التي نطلق عليها حضارة “نفس العقل”.
قبل أن نختم هذه الفيديو بإعطاء فكرة عامة عن طبيعة اللوغوس كنفس ووعي أريد ان أوضح أكثر رأي الغنوصية في عمر البشرية ومقارنتها بعمر الإنسان كفرد لكي نفهم أكثر المرحلة الحالية التي فيها الإنسانية، وهي مرحلة حساسة جداً لأنها سوف تنتقل من حالة إلى حالة أو من عصر ألى عصر؛ عصر العقل إلى عصر الروح. هنا أذكر أن الغنوصية تقسّم العصور البشرية على حسب حياة الفرد كإنسان؛ حيث ترى الغنوصية إن البشرية تمر بخمسة عصور في عالم الوجود المادّي وعصرين آخرين الذي يجعل المجموع سبعة عصور.
العصر الأول أو المقدّمة التي عليها عصر الصفر سوف لن نتكلم عليها الآن، وهو قبل قدوم البشرية إلى عالم الوجود المادي. أما العصر الأخير الذي يطلق عليه عصر الواحد وهو عصر في المستقبل سوف يظهر ويبدأ بالنسبة للفرد عند الموت، فعندما يموت الفرد يبقى في عالم إلى أن يظهر ما نطلق عليه العصر السّابع. إذاً سوف نتكلم هنا عن العصور الخمسة ومقارنتهم بحياة الإنسان.
العصر الأول الذي ظهر قبل عشرات الملايين من السنين وهو يوافق بالنسبة للإنسان كفرد مرحلة الطفولة، وطبعاً يسبقها مرحلة الحّمْل، ولكن هنا سوف نتكلم من الولادة إلى7 سنوات. إذاً كما الفرد يمر بمرحلة الطفولة من الولادة إلى 7سنوات مرت الإنسانية بمرحلة الطفولة دامت عشرات الملايين من السنين قبل أن تنتقل إلى العصر الثاني الذي يوافق بالنسبة للفرد الإنساني مرحلة المراهقة.
هذه المرحلة دامت بالنسبة للإنسانية دامت ملايين بالنسبة للفرد على حسب الغنوصية فهي تدوم 14سنة من سن 7سنوات إلى سن21 سنة، وخلال هذه المرحلة طوّرت البشرية جسمها وكذلك الفرد يطوّر جسمه خلال هذه المرحلة. أما العصر الثالث الذي يهمنا هنا والذي دام مئات الآلاف من السنين يطلق عليه مرحلة الشباب، وهي عصر العقل وتدوم بالنسبة للفرد 21سنة أي من سن 21سنة إلى سن42 وهي التي تهمنا هنا لأننا نحن موجودين في آخرها.
أمّا في العصر الرابع الذي سوف تحكم فيه الروح هو يوافق مرحلة الكهولة عند الفرد. أما العصر الأخير في عالم الوجود المادي الذي تحكمه النفس فهو يوافق بالنسبة للإنسان الشيخوخة، وسوف أعود إلى كل هذه العصور ومقارنتها بحياه الفرد في الفيديوهات القادمة. أمّا هنا سوف نحاول أن نختم الفيديو بالحديث عن النفس كلوغوس في عصر العقل والحضارة النفسية التي ظهرت قبل آلاف السنين وهي بالنسبة لنا بداية التاريخ وظهور الكتابة، وهي المرحلة التي عرفت فيها البشرية صراعات كبيرة فيما بينها من أجل التّطور والتّقدم مثل الفرد حيث خلال هذه المرحلة يثبت ذاته.
نعود للنفس الكلية هذه النفس لا يمكن أن تظهر في المادة ككتلة واحدة وإلا تدمر المادة، ولا يمكن أن تموت لتظهر مثل المادة ولا مثل الأفكار يمكن أن تكون في كل مكان دون أن تفقد ذاتها وليس مثل الروح شفافة يمكن أن تخترق المادة وتؤثر فيها دون أن أن تتأثر بالمادة. إذاً هذه النفس الكلية ليس أمامها إلا أن تجزء إلى جزيئات كل جزء يكون مستقل بحد ذاته، وفي الأول كل الأجزاء متساوية وتنطلق في تجربة الحياة المادية، ورغم كل ذلك هذه النفس رغم أنها مجزأة فهي ثقيلة جداً على المادة وتُتعب المادة، ولهذا الجسم محتاج إلى راحة من النًفس وذلك هو النوم، وفي الأخير لا يتحملها أكثر ويموت الجسد وتخرج النفس، والنفس أيضاً تتعب من المادة أو من الجسم.
هذه النفس الكلية الأولى اللوغوس لا هي خير ولا هي شر، فهي محايدة؛ مصطلح الخير والشر غير موجود في اللوغوس كلياً، فبعد ظهورها في المادة يظهر الميل للخير أو الشر. أي إن الخير والشر مرتبط بالمادة، خارج المادة لا يمكن أن نتكلم عن خير وشر، ونحن نعرف فكرة الغنوصية في مسألة الخير والشر؛ حيث تعتبر الشر هو خير أقل خيراً وتعتبر الخير هو شر أحسن من شرٍ آخر.
سوف لن نتكلم أكثر عن النفس هنا وسوف نعود إلى هذا الموضوع بالتفاصيل في فيديوهات القادمة. الذي يهمنا هنا هو النفس كلوغوس فقط، وما هي حالة النفس كلوغوس بعد ظهور الوجود المادي. هذا هو السؤال المهم.
الغنوصية هنا تطرح ثلاث نظريات وتقول لكل إنسان ما يناسبه من هذه النظريات على حسب درجة وعيه وما يحتاج إليه وتجربته كنفس في المادة لكي يقبل أحد هذه النظريات أو يميل إلى بعضها ويرفض الأخرى.
*النظرية الأولى وهي فكرة الرب أو “الربوبية” وما نحن إلا أبناء الرب مع بقاء الرب كما هو. يرسلنا لكي نعيش التجربة في الوجود ونعود إليه، ومن هذه الفكرة ظهرت الأديان وهنا أقصد الديانات الطبيعية وليس الديانات الاصطناعية مثل الديانات الابراهيمية.
*النظرية الثانية وهي فكرة “وحدة الوجود” أي ان النفس الكلية تجزأت كلها وهي التي تعتبر وعي الوجود المادي بحيث الكل يطلق عليه الرب المصمم. كل شيء في الوجود هو جزء من الرب المصمم أي ان هذا وهذا الوجود عبارة على جسم كبير للنفس الكلية وما نحن إلا ضمن هذا التصميم الكلي وهي فكرة وحدة الوجود.
* النظرية الثالثة فهي النظرية “الالحادية الغنوصية” و هي التي تقول كان هو وأصبحنا نحن عندما كان لم نكن وعندما نكون لا نكن ؛أي كل شيء في هذا الوجود أخذ مكان الرب الكلي أو النفس الكلية بعد التجزيء.
أكتفي بهذا القدر وأقول لكم شكراً على الاستماع. شكراً على التّشجيع. شكراً على التوزيع ومع فيديو قادم وبالسلامة…
0 تعليق